المطلوب من قمة أممية خماسية

02:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في الأخبار أن مقترحاً روسياً بعقد قمة أممية خماسية، لاقى قبولاً لدى الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن. وإذا لم تعترض عقبات مفاجئة لقاء القمة هذا بين الخمسة الكبار، فإن من شأنه أن يطلق تقليداً جديداً وبناءً، بالتقاء رؤساء الدول الكبرى بصورة دورية. وتنبع أهمية هذه الفكرة من كون السياسات الدولية باتت مسرحاً للتنافس المحموم، بغير ضوابط دولية ومرجعيات ملزمة، مع تقديم المصالح الذاتية على مصلحة إحلال الأمن والسلام في عالمنا.
يتناول اللقاء المرتقب قضية الأسلحة، وهي إحدى أشد القضايا خطورة في عالمنا، في ظل التسابق على التصنيع العسكري وتطويره، وزيادة مخزون الأسلحة وتصديرها بأقل قدر من القيود، بصورة علنية أو غير علنية. كما يرتدي هذا الموضوع أهميته مع ازدياد مخاطر الانسحاب من الاتفاقيات الموقعة بين البلدان الكبرى، وبالذات بين الولايات المتحدة وروسيا، للحد من انتشار الأسلحة الأكثر تطوراً، كما هو الحال مع معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة بين البلدين، حيث شهد أغسطس/آب من العام الماضي انسحاباً أمريكياً من المعاهدة بعد 32 عاماً على توقيعها وسريانها، وقد بررت واشنطن في حينها عدم التزام روسيا بالمعاهدة، وهو ما نفته موسكو، معتبرة أنها مجرد حجة للتنصل من الاتفاقية.
ولا شك أن التئام هذه القمة يساعد على تبريد الخلافات الثنائية بين أطرافها، ويعكس صورة من التعاون الدولي غابت طويلاً في حمأة التنافس على تعظيم الأدوار وعلى تكريس التعددية القطبية، وهي تعددية مرغوبة ومطلوبة، شريطة ألا تكرر أخطاء الانفراد القطبي في تجاوز الشرعية الدولية، وتسعير الخلافات وإشعال بؤر التوتر هنا وهناك.
غير أن ما يسترعي الانتباه بعدئذٍ أن القمة المقترحة، سوف تقفز عن التحدي الراهن الذي يهدد عالمنا والمتمثل بجائحة كورونا التي ارتقت إلى مرتبة الوباء العالمي، حسب تقدير منظمة الصحة العالمية. فهذا الوباء يفرض نفسه كأولوية لمكافحته، وذلك لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها، كما كانت عليه حتى نهاية العام الماضي. ومن المؤسف أن هذا الوضع المقلق قد أطلق مناخاً من تبادل الاتهامات بين واشنطن وبكين حول التسبب بالمرض، وسبل التعامل معه، وذلك بدلاً من المبادرة إلى إرساء تعاون دولي واسع النطاق لمواجهة هذا الوباء، وعلى نحو يتم فيه الجمع بين الانشغال باتخاذ الإجراءات الاحترازية الفعالة المنفردة داخل كل بلد، وبين التعاون الفعال لاستكشاف سبل الوقاية منه وعلاجه.
ومن الواضح أن التقدم على هذا الطريق يتطلب إرادة سياسية مشتركة، وقناعة عامة بأن الخطر يهدد الجميع، وأنه ليس هناك من طرف آمن بنسبة مئة بالمئة، وأن كل تلكؤ أو تردد في تنظيم سبل المواجهة بصورة جماعية سوف يرتد بالسلب على الجميع.
وفي هذا السياق، فإنه من حسن الطالع والتقدير أن دولة مثل الصين بادرت إلى تقديم دعم طبي إلى إيطاليا، وأبدت استعدادها لتقديم الدعم إلى اليابان وكوريا الجنوبية وإلى دول أخرى، وهذا مثال على التعاون الدولي المطلوب، وخاصة من طرف الدول التي تتوافر على إمكانيات لتقديم الدعم، فيما لجأت دول أخرى إلى وقف تصدير المعدات الطبية. وإذا كان هذا الأمر مفهوماً في نطاق منح الأولوية للحاجات الخاصة، إلا أن معايير التضامن الدولي والإنساني تقتضي المسارعة إلى زيادة إنتاج تلك المعدات، وتوفيرها للدول التي تحتاجها بعيداً عن الاعتبارات التجارية المحضة.
وفي غضون ذلك، تشكو منظمة الصحة العالمية ضعف تواصل الأعضاء معها في توفير البيانات الكافية عن انتشار المرض ووسائل معالجته وتحديد الاحتياجات الطارئة.
وفي وقت تنشئ فيه موسكو مستشفى خاصاً للتعامل مع هذا الوباء، وبينما تعلن الولايات المتحدة على لسان الرئيس دونالد ترامب حالة الطوارئ لمواجهة هذا التحدي، وبينما تتواصل التقارير المقلقة من فرنسا وبريطانيا حول تطورات الوباء، وفيما تواصل بكين نشر التقارير المطمئنة حول حصر الوباء وكبحه.. في هذا الوقت، فإن قمة خماسية على مستوى رؤساء الدول الكبرى تخصص للنظر في هذا التحدي، من شأنها أن تبعث الأمل في تعاون دولي مثمر وواسع النطاق لمواجهة هذا التحدي، وبما يعيد الوجه الإنساني للسياسة الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"