القاهرة والرياض وملفات المنطقة

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في أجواء من الجمود السياسي، الذي يكتنف المنطقة، ومع الضعف الذي بات يعتري العلاقات العربية البينية، جاءت زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى مصر، كي تحيي الأمل بتقوية المراكز السياسية العربية، وذلك قبل أسابيع من القمة العربية، المقرر انعقادها في نواكشوط، بعد اعتذار المغرب عن استضافتها.
تميزت الزيارة بدعم اقتصادي غير مسبوق، كان من مظاهره الالتزام بتقديم 2 مليار دولار كل عام من السعودية إلى مصر، فضلاً عن 17 اتفاقاً في مجالات مختلفة تصب جميعاً في مصلحة مصر والمصريين، ومصلحة التعاون السعودي ـ المصري، ما يجعلها زيارة ذات طابع استراتيجي، كما وصفها البعض، وبالذات مع الاستعدادات لإقامة جسر يربط بين البلدين وبين قارتي آسيا وإفريقيا. وبطبيعة الحال فإن العلاقات الوثيقة والمرشحة لأن تزداد متانة، والتي تجمع القاهرة والرياض تنعكس على علاقات القاهرة بسائر العواصم الخليجية، وبمجلس التعاون الخليجي.
مع بقاء الأزمة السورية، من دون حل حتى تاريخه، ومع الاستنزاف الشديد الذي تعرض له الموقع السوري، ومع غرق العراق في مشكلاته الداخلية، وعجزه عن بناء دولة حديثة، وعن بناء علاقات مستقرة مع بقية الدول العربية، فإن الأنظار ظلت تتجه إلى الرياض والقاهرة، بغية تدارك حالة أشبه بالفراغ السياسي، تكتنف العالم العربي. ومن هنا جاء التحرك السعودي إلى القاهرة، وهذه هي الزيارة الثانية التي يقوم بها العاهل السعودي إلى مصر في غضون 15 شهراً.
المصريون من جانبهم رحبوا بالزيارة، وأبدوا تفاؤلاً كبيراً بها، وردد كبار المسؤولين فيها بأن أمن منطقة الخليج، هو جزء من الأمن القومي المصري. وحسناً أن يتم التعبير عن هذه المواقف، علماً أنه في أثناء الزيارة الملكية السعودية لمصر فإن التهديدات العلنية الإيرانية ـ للسعودية ومعها البحرين، لم تتوقف، ورغم أن السعودية قادرة على الدفاع عن أمنها وسيادتها وحدودها، كما برهنت على ذلك بجدارة في حرب «عاصفة الحزم»، إلّا أن التضامن العربي، خاصة المصري، معها مطلوب في هذه المرحلة، وفي القادمات من الأيام، حتى لا يظن أصحاب الأطماع التوسعية، بأنه يمكن لهم استفراد هذا البلد العربي أو ذاك.
هناك الكثير مما يقال عن التعاون الاقتصادي، وفرص الاستثمار السعودي في مصر، ووجود مليوني مصري يعملون ويقيمون في المملكة العربية السعودية، واستثمارات سعودية تلامس 50 مليار جنيه في مصر، عبر 3100 شركة، كما أوضح وزير التجارة السعودي، و17 اتفاقية تم التوقيع عليها في القاهرة بمناسبة الزيارة، إلّا أن مدار الاهتمام في هذا المقال هو التأثيرات السياسية الإيجابية للتطور المضطرد في العلاقات المصرية ـ السعودية.
ذلك أنه من شأن هذه الزيارة، وما أحاط بها من أجواء إيجابية، وما حفلت به من تعهدات، وما زخرت به من تطلعات مشتركة، ردم أي فجوات جزئية وتجاوز أية تباينات طفيفة في الرؤى والمواقف بين البلدين، تجاه شؤون المنطقة وقضاياها وتصليب عموم الموقف العربي، تجاه الاحتلال الصهيوني، ودعم شعب فلسطين تحت الاحتلال، بما في ذلك دعم صمود أبناء غزة، وتسهيل تواصلهم مع العالم الخارجي، وحيال مختلف أشكال التدخلات الأجنبية الجسيمة في منطقتنا العربية، أياً كان مصدر هذه التدخلات ولبوسها.
إن التهديدات الصهيونية وغيرها التي تنطلق ضد العالم العربي، ما كان لها أن تصدر لو كان هناك موقف عربي عام أكثر صلابة، وأقل انكفاء على الذات، ولو كانت عُرى العلاقات العربية أشد متانة. إن ما سميناها حالة أشبه بالفراغ السياسي أطبقت على العالم العربي، هي التي شجعت، موضوعياً، على الاختراق الذي يتعرض له مشرق العالم العربي، وحفزت البعض على التسلل خارج الإجماع العربي، وبناء سياسات معادية لاستقلال وسيادة دول المنطقة، عبر استدراج قوى أجنبية وتمكينها من أن تكون شريكة في صنع القرارات «السيادية»، وفي تنفيذ هذه القرارات على الأرض.
إن التقارب المضطرد الذي شهدته علاقات القاهرة بالرياض، يؤذن بعودة القاهرة إلى لعب أدوار أكبر في الساحة السياسة العربية، والخروج من حالة الانكفاء التي مضى عليها أكثر من خمس سنوات نتيجة الأوضاع الداخلية في مصر، وذلك بالتنسيق مع الرياض ومع مجلس التعاون الخليجي، وبقية الأطراف العربية، وذلك من أجل وضع حد للوضع العربي المهلهل، المملوء بالخروق والفتوق، ومن أجل حمل أطراف إقليمية على الكف عن الغطرسة في تعاملها مع العالم العربي وشعوبه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"