مبيكي الديمقراطي

البعد الثالث
04:45 صباحا
قراءة 3 دقائق

عندما كان نلسون مانديلا يقضي عقوبة السجن المؤبد في جزيرة "روبن"، تولى اوليفر تامبو قيادة المؤتمر الوطني لجنوب إفريقيا المحظور من الأقلية العنصرية الحاكمة آنذاك، وكان ثابو مبيكي يتولي مسؤولية العلاقات الخارجية للحزب ويقابله في حزب المؤتمر الإفريقي الجامع المنافس قورا إبراهيم، وكان الفرق بين الاثنين أن قورا يميل للأرقام والاستعراض اللغوي فيما يلتزم مبيكي بالوقائع والأحداث والتواريخ، ولما وقعت الزلزلة في جنوب إفريقيا ،1994 وآلت رئاسة البلاد للمناضل الأسطورة نيلسون مانديلا، توقع الكثيرون أن توكل حقيبة الخارجية ثابو مبيكي، لكن مانديلا فضل أن يستبق الإرهاصات والتكهنات بتعيينه نائباً للرئيس، وكانت الرسالة واضحة للقواعد ولعضوية حزب المؤتمر الوطني بأن مبيكي هو خليفة مانديلا المرتقب وحسم مانديلا بذلك جدلاً كان يدور في أوساط الحزب خاصة وفي جنوب إفريقيا عامة حول المنصب الثاني في الدولة، والذي كان يعتقد معظم المراقبين السياسيين بأيلولته لراما فوسا السكرتير العام لاتحاد نقابات العمال، وهو يساري متطرف الأيديولوجية، وبوضعه على رأس قطاع الاستثمار والاقتصاد والتنمية تخلص ثابو مبيكي من أقوى المنافسين له على مستوى الحزب، وهكذا وجد مبيكي نفسه في 1999 يدق على باب رئاسة الجمهورية بمبنى الاتحاد ببرتوريا حين أعلن مانديلا اعتزاله للعمل السياسي والعام، ولم يخذله الناخبون بل واستطاع أن يحصل على فترة رئاسته أخرى (خمس سنوات) في العام 2004 مما اعتبره الكثيرون انه نتاج تزكية ومؤازرة مانديلا.

في واقع الأمر، لم تكن مهمة مبيكي سهلة وميسورة وهو يخلف أب الأمة ورمز كفاحها وحامل لواء نضالها، فالتحديات كانت كبيرة وعلى رئاسة إثبات الرجل لنفسه في خلافة مانديلا من دون أن يخذل ناخبيه أو يخيّب أمل من وضعوا ثقتهم فيه، فخلال فترة رئاسته حرص مبيكي على استقرار جنوب إفريقيا اقتصادياً وسياسياً لتتمكن من لعب أكثر من دور في الساحة الإفريقية والعالمية، ورغم أن الغلاة في جنوب إفريقيا أو المتطرفين روجوا أن مبيكي في سبيل تدفق الاستثمارات على دولة قوس قزح، ضحى بتطلعات السود من خلال عملية التوازن التي اعتمدها في سياساته، لكن من المهم أن يتذكر الناس لمبيكي انه رغم نفيه لكون بلاده قوة ضاربة في القارة الإفريقية إلا انه احتفظ لبلاده بالقيادة والريادة في الإقليم الجنوب إفريقي وداخل منظمة الإقليم الاقتصادية (السادك) وفي الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)، ولا ينسى الناس لمبيكي أن وساطته وراء الستار لحل المشكل السياسي في كينيا ثم وساطته المباشرة لحلحلة الأزمة في زمبابوي قد أبرزت حكمته ومقدرته على احتواء المصاعب والتحديات، ولعل المحطة الأخيرة التي توقف عندها قطاره كانت الخرطوم التي زارها مؤخراً لاحتواء تداعيات المحكمة الجنائية الدولية والتسريع بحل أزمة دارفور.

يمكن القول إن مبيكي داخلياً ورث تلالاً من المشاكل المستعصية، التي لم يكن معظمها من صنعه، وأهمها الهاجس الأمني، وإفرازات الهجرة الإفريقية لبلاده، وتطلعات بني جلدته المشروع، وغير المشروع، ومن خطل القول نسب فشل احتواء العنف الذي نشب ضد الأفارقة الوافدين في جنوب إفريقيا لحكومته، لأن التدبير كان مقصوداً لإحراجه وإحراج حكومته، وبنفس المستوى يمكن القول إن اعتدال مبيكي في معالجة قضية زيمبابوي قد جر عليه غضبة مضريه من حزب المؤتمر الوطني، وان الطامعين والطامحين داخل الحزب قد التفوا عليه بتضخيم ما اعتبروه إخفاقات في مجالات داخلية أو حسبوه انحيازاً للرأسمالية وإهمالاً لرفاهية الرعايا من السود الذين هزوا شجرة التمييز العنصري وما قطفوا ثمارها، وأياً كان الأمر، فإن ثابو مبيكي انصاع لرأي الأغلبية في حزبه عندما طلبوا منه التنحي عن رئاسة الدولة على خلفية تدخله في التحقيقات القضائية الخاصة بخصمه جاكوب زوما، نائبه السابق في السلطة الذي أصبح في ديسمبر/كانون الأول 2007 رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الحاكم عبر الانتخاب الذي كان بمثابة الانقلاب الداخلي على مبيكي، ومن ثم أطاحت الديمقراطية الرجل الذي يؤمن بها ويمارسها، وغير وارد أن يقود مبيكي انقساماً داخل الحزب الحاكم أو ينشئ حزباً جديداً، على الأقل في هذه المرحلة، ولكن من المؤكد أن أغلبية المثقفين وذوي التأهيل العالي في حزب المؤتمر الوطني قد يبتعدون عن تقلد مناصب رسمية في حكومة يشكلها جاكوب زوما، رئيس الحزب الذي يتمتع بالشعبية داخل الحزب لكنه يتمتع بقدر متواضع من التعليم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"