عن نتائج الانتخابات الأمريكية

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العزيز المقالح

يقولون هنا وهناك إن النتائج كانت مفاجأة حتى للمرشح الجمهوري نفسه الذي كان واثقاً من أنه لن ينجح وكان دائم التشكيك في نتائجها، ولكنه نجح وصار رئيساً للولايات المتحدة. ولا أنكر أنني كنت واحداً ممن راهنوا على سقوطه، لأنه استفزّني كما استفزّ مئات الملايين في العالم بصلفه وبطريقته في عرض نفسه على الجمهور وبذلك الإصرار على شرح نواياه سلفاً ودونما عودة إلى الحزب الذي ينتمي إليه وقام بترشيحه.
ولم أكن في الوقت نفسه أراهن على نجاح مرشحة الحزب الديمقراطي، ولكني كنت شأن مئات الملايين في العالم أرى نجاحها أقل سوءاً، وأخف ضرراً من منافسها الجسور الذي يتهدد ويتوعد، ويعادي دون حذر كل شيء ويستوحي في تصرفاته وسلوكه الدعائي أساليب الكاوبوي. ولكن هكذا كانت المفاجأة وجاءت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال كل الذين راهنوا على سقوطه ونجاح منافسته. ربما لأنه كان أقدر على التعبير عن نوايا الغالبية الأمريكية، وذات الأصول الأوروبية خاصة الذين يريدون التعامل مع الشعوب الأخرى بمنطق القوة والانتقال من العمل بخشونة ومواجهة علنية بدلاً عن الاعتماد على الدبلوماسية الناعمة.
وإذا كانت الانتخابات قد حققت هزيمة غير متوقعة لمرشحة الحزب الديمقراطي فإنها قد شكَّلت هزيمة أنكى وأشد على الصحافة ومراكز البحوث في الولايات المتحدة، وأعني بالصحافة هنا ذات الثقل والشهرة الواسعة، وكذلك مراكز البحوث فقد كانت كلها تراهن على فوز مؤكد لهيلاري كلينتون، ولهذين الفريقين الصحافة ومراكز الأبحاث مكانة رسمية وشعبية بالإضافة إلى تأثيرهما في مستوى العالم، وأن يخسرا الرهان فمعنى ذلك أن يخسرا جزءاً كبيراً من سمعتهما الصحفية والعالمية لجهلهما لحقائق الأمور كما تعامل في أوساط الشعب الأمريكي الباحث عن بركان من الخلافات والصراعات وتغير موازين القوى الراهنة وفتح الأبواب لمزيد من الحروب والتوترات والضحايا والمزيد من النعوش التي تحملها الطائرات من الأماكن البعيدة. ولعل الترف الذي تعيش فيه الأغلبية البيضاء في هذه الدولة العظمى والهدوء البارد الذي يسود الأسواق والمؤسسات يبعث على السأم، ولا مناص من البحث عن وسائل للتغيير وتحريك الركود من خلال انتخاب شخصية إشكالية مثيرة.
ومن المؤكد أن نتائج الانتخابات قد كانت مفاجأة لترامب كما كانت مفاجأة للآخرين، فقد كان على درجة من اليقين أنه لن ينجح، وأن هناك تياراً واسعاً يحول بينه والبيت الأبيض، وإن كان قد بقي محافظاً على إصراره وتوجيه التهم المبالغ فيها إلى منافسته وإلى الذين يقفون وراءها من جماهير وصحافة ومراكز بحوث ومراكز استطلاع الرأي. ومن هنا فإنه لم يصنع هزيمة الحزب الديمقراطي ولم يشارك فيها بدور إيجابي وإنما الغالبية الباحثة عن التغيير هي التي صنعت الهزيمة وأعطت له فرصة التفوق العملي على كلينتون التي كانت قد تفوقت أخلاقياً وعاطفياً وحصدت من الأصوات ما كاد يؤهلها للدخول مرة أخرى إلى البيت الأبيض رئيسة لا زوجة للرئيس.
وما يلفت الانتباه أكثر في موضوع هذه الانتخابات بالذات أن حالة التذمر من الولايات المتحدة والإدارة الحالية خاصة كانت قد بلغت في هذا الوقت ذروتها نتيجة الكم الهائل من الأخطاء السياسية والاقتصادية وما رافقها من محاولات ابتزاز بعض الشعوب والتمادي في خلق للبؤر الساخنة بل والدامية.
وربما قادت نتائج هذه الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة إلى تغيير في طريقة التعامل مع الشعب الأمريكي نفسه بعد أن أكدت الانتخابات الأخيرة أنه يتعاطف مع البرامج الانتخابية المثيرة للجدل والهادفة إلى إيجاد مزيد من القلق في أنحاء العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"