المجاعات بعد الجائحات

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

التقديرات التي منحت الفيروس المستجد أربعة أو خمسة أشهر لينهش رئة العالم واقتصاده تبدو متفائلة جداً، لأن العلم عجز عن إيجاد علاج حاسم للفيروس بحيث ستظل الجائحة كابوساً يلاحق سكان الأرض ويمنع خروجهم الطبيعي للعمل. وقد استندت كل البرامج والحزم المالية إلى لإنعاش الاقتصادي على فرضية أن الجائحة الفيروسية ستنتهي في مطلع الصيف وبالتالي كانت حزم الإنعاش والمساعدات مؤقتة. فالرئيس الأمريكي ترامب أعلن أن إعادة فتح الأسواق هي أخطر قرار يفكر فيه في حياته، في إشارة ضمنية إلى المخاطر الجمة التي قد تنجم عن القرار بالنسبة لانتشار الفيروس في الولايات المتحدة التي وضعها على رأس قائمة الوفيات والإصابات. فالخسائر التي مُنيت بها الاقتصادات المختلفة لا تتناسب مع حزم الإنعاش والدعم التي قدمتها الحكومات مهما كانت الحزم مرتفعة الأرقام لأن بعض هذه الحزم عبارة عن قروض وتسهيلات للشركات الكبرى. من هنا فإن الأزمة الاقتصادية متوقعة وقد تدوم طويلاً إذا لم تحدث معجزة ما بشأن لقاح الفيروس.
الأرقام خلال شهرين تشير إلى أن أكبر مئة ملياردير في العالم خسروا 400 مليار دولار من ثرواتهم، أي ما جمعوه خلال عامين ونصف العام من أرباح، والغريب أن تسعة من هؤلاء المئة لم يخسروا بل حققوا أرباحاً وهم من الصين مركز تفشي الوباء. كما أن الصين هي الدولة الوحيدة التي عادت عجلة اقتصادها للعمل بينما توقفت عجلة الإنتاج في بقية أنحاء العالم. فالإنعاش الاقتصادي والمالي الذي تمارسه دول الغرب وتحقن بورصاتها بالتفاؤل ليس حلاً لأن المكاسب التي تحققها بعض البورصات هي صورية فكيف ترتفع أسهم شركات متوقفة عن العمل؟
لقد كانت الصين الفائز الوحيد في تلك الأزمة مع قدرة سوق المال لديها على النجاة من عاصفة الفيروس خلافاً لما حدث في أوروبا والولايات المتحدة.
وتراجعت البورصات العالمية خلال شهرين مع تكبد مؤشر داو جونز الصناعي لخسائر خلال تلك المدة بلغت نحو 21%، فيما تكبدت أسواق الأسهم الأوروبية أيضاً كلها خسائر في خانة العشرات، وتراجعت أسواق الأسهم في طوكيو وهونج كونج بنحو 18% و10% على التوالي، فيما ارتفع المؤشر الرئيسي لبورصة الصين بصورة طفيفة بلغت 0.2% ليكون سوق المال الرئيسي حول العالم الذي نجح في الخروج من دائرة الخسائر، أما الارتفاع المفاجئ في بعض البورصات في بعض الأيام فهو اصطناعي كما أسلفنا. ولهذا ينظر الرئيس ترامب خاصة بعين الحسد إلى الصين وهو يرى مصانعها عادت للعمل وتتخاطف السوق الدولية إنتاجها من المعدات الطبية والأدوية وأجهزة التنفس الاصطناعي.
ولأن الرئيس ترامب في عجلة من أمره ويريد في سنته الانتخابية أن يخرج منتصراً على كورونا والصين معاً، فمن غير المستبعد أن يغامر ويفتح العمل مجدداً في عجلة الإنتاج الأمريكية لأنه يدرك أن انتظار علاج للفيروس قد يطول والمساعدات التي قدمت للأفراد والشركات ذات مفعول مؤقت ولا يكمن إدامتها بالحجم الضخم الذي طرحت به لا في الولايات المتحدة ولا أوروبا وإن كان ما تعتزم دول الاتحاد الأوروبي ضخّه من أموال أقل بكثير مما رصده الأمريكيون. فالتداعيات الاقتصادية للجائحة قد تكون أقسى مما يتصوره السياسيون لأن استمرار الوباء سيزيد جيش الفقراء في العالم بنحو 600 مليون نسمة ما يعني مجاعة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل. فعادة تكون المجاعة إحدى أهم تداعيات الأوبئة نظراً لفناء الكثيرين وهجرة الناس كما يحدث الآن في الهند حيث يعاني العمال المياومين الجوع بسبب توقف العمل. فالركود الاقتصادي إما أن يؤدي إلى مجاعة شاملة أو إلى حرب ضروس.
وبالطبع ليست المنطقة العربية بمنأى عن هذه المخاطر؛ بل إن مخاطرها مضاعفة لأن أغلب الدول العربية تعيش حالة مضطربة من الحروب الأهلية، ما يفاقم من الأزمات وزيادة عدد الفقراء والمهاجرين والجياع. ولذلك من المبكر إجراء جرد تقديري للخسائر البشرية والمادية والاقتصادية للجائحة لكنها ستكون وخيمة وبعيدة المدى على النسيج الاقتصادي والسياسي دولياً. لذلك فإنه كلما تم اختصار وقت مكافحة الفيروس، كانت العواقب أقل سوءاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"