ثلاثون عاماً على المبادرة العربية

04:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

في بداية ثمانينات القرن المنصرم كان التخبط سيد الموقف في المشهد الاستراتيجي الشرق-أوسطي على خلفية حرب عراقية إيرانية وحرب أهلية لبنانية واعتداءات إسرائيلية متكررة على لبنان وانقسام عربي بين دول الاعتدال وجبهة الصمود والتصدي قاد إلى انفراط عقد قمة عمان العربية التي كان من المفترض انعقادها بين 25 و27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1980 . في هذه الأجواء شديدة التور أطلق ولي العهد السعودي الأمير فهد، في السابع من أغسطس/آب مبادرة مؤلفة من ثمانية مبادىء تصلح قاعدة للتوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، كونها مستوحاة من قرارات الأمم المتحدة لاسيما القرار 242 . ورغم تجاهلها ذكر إسرائيل وصفت المبادرة بأنها تعكس استعداد طرف عربي فاعل ومؤثر السعودية للاعتراف ب إسرائيل في مقابل اعترافها بحق الشعب الفلسطيني في الوجود ضمن دولة سيدة مستقلة .

لم يتأخر الرد الإسرائيلي، إذ أعلن وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون أنه في مقابل المبادئ السعودية الثمانية سيرد ببناء ثماني مستوطنات جديدة .أما رئيس وزرائه إسحق شامير فوصف المبادرة بأنها تشكل خطراً على وجود إسرائيل . ومن ناحيتها دمشق أعلنت أن الخطة السعودية ليست سوى كامب ديفيد ثانية ينبغي رفضها ومواجهتها، لذا أوعزت إلى التنظيمات التي تدور في فلكها في لبنان ترجمة هذا الرفض عملياً، فكانت حروب الشوارع في بيروت بين الأشقاء خير ترجمة لهذا الرفض .

وكان على العرب أن يتخذوا موقفاً رسمياً معلناً من المبادرة السعودية، وذلك في قمة فاس في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني ،1981 لكن مناخ الانقسام والتوتر العربيين أودى بهذه القمة التي لم تدم سوى أربع ساعات بالانتهاء من دون اتخاذ أي موقف .

في يونيو/ حزيران 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان في عدوان همجي واسع بري وبحري وجوي شبّهه المراقبون بأهوال الحرب العالمية الثانية . وقد اضطرت منظمة التحرير الفلسطينية إلى مغادرة بيروت في أغسطس/ آب بموجب خطة المبعوث الأمريكي فيليب حبيب . لقد كشفت هذه الحرب مدى عجز جبهة الصمود والتصدي إزاء العدوان الإسرائيلي وخواء شعاراتها الطنانة . وهكذا بعد نقاشات صاخبة وتعديلات طفيفة تبنّت القمة العربية في التاسع من سبتمبر/ أيلول 1982 مشروع الملك فهد (تسلم العرش في 13 يونيو/ حزيران 1982 بعد وفاة الملك خالد) الذي سبق ورفضته قبل عام واحد . لذلك يشكل إعلان فاس منعطفاً تاريخياً : للمرة الأولى ينتقل العرب بشكل جماعي وعلني ورسمي من الرفض إلى مشروع سلام يعترف بالأمر الواقع إسرائيل في مقابل موافقتها بدورها على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولة .

المفارقة أنه في الوقت الذي كان فيه الرأي العام العربي يميل إلى السلام، كان الرأي العام الإسرائيلي تحت قيادة اليمين الصهيوني يتجه صوب سياسة الغزو والمزيد من التوسع . فقد رفض شامير خطة فاس، معتبراً أنها تهدف إلى تدمير إسرائيل .

بين مشروعي العاهلين السعوديين فهد (1982) وعبد الله (2002)عشرون عاماً بالتمام والكمال سالت خلالها دماء كثيرة في المنطقة وحدثت تحولات خطيرة قلبت شكل النظام الدولي برمته .تغير العالم كله لكن إسرائيل لم تتغير، فرغم توقيع اتفاقات أوسلو والاعتراف المتبادل مع منظمة التحرير، فإن مخططات تهويد القدس استمرت كما سياسة الاستيطان رغم أنف العالم كله ناهيك عن الاعتداءات العسكرية على لبنان والفلسطينيين .أما مئات جولات التفاوض مع عرفات ثم محمود عباس فلم تكن سوى كسب للوقت، بحيث يحل اليوم الذي لا يبقى للفلسطينيين فيه شيء يتفاوضون لأجله .

عشر سنوات مرت على قمة بيروت التي تبنت مبادرة الملك عبد الله للسلام، والتي تُعد استكمالاً لمبادرة فهد بعد أخذ المتغيرات في عين الاعتبار، دون أن يتقدم هذا السلام قيد أنملة، ودون أن تتغير السياسة الإسرائيلية تحت قيادة اليسار واليمين وكاديما . المحصلة أن العرب مجتمعين وبشكل رسمي وعلني، يمدون أيديهم للسلام العادل والدائم منذ نيف وثلاثين عاماً، دون جدوى .ألا يكفي ذلك دليلاً على أن هذا السلام لا مكان له في الأجندة الإسرائيلية وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"