ابتعاد «نهضوي» عن الإسلام السياسي

01:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
لا شك أنه تحول مهم ذلك الذي عمدت إليه حركة النهضة في تونس، بإعلانها القاطع على لسان رئيسها راشد الغنوشي، أن حركته باتت تفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي، وأن نشاط الحركة سوف يقتصر على الجانب السياسي. ورد ذلك في مؤتمر عام للحزب / الحركة، الذي بدأ أعماله في تونس يوم 20 مايو/أيار الجاري، بحضور ضيوف من بينهم رئيس الدولة قائد السبسي، الذي ألقى كلمة في المؤتمر.
وكانت توصية صدرت بذلك عن مجلس الشورى إلى المؤتمر العام، وقد تبناها زعيم الحزب راشد الغنوشي الذي قال في كلمة أمام المؤتمر العاشر: «حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية، وندعو إلى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي، لتكون المساجد مُجمعة لا مفرقة».
هذا التحول وجد تمهيداً له في موافقة النهضة على دستور للبلاد يحفظ الطابع العلماني للدولة، وكذلك في ابتعاد تدريجي للحركة عن تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، ولوحظ أن النهضة دأبت في العامين الأخيرين على تشديد النبرة ضد الأنشطة الإرهابية، معلية من الشأن الوطني، ومن الاستعداد للتلاقي مع جميع المكونات والحساسيات للحفاظ على الوطن والدولة في وجه الإرهاب.

الغنوشي قال في المؤتمر: لم نعد نناصب الدولة العداء.
ورئيس الدولة السبسي، أعلن من جهته أمام المؤتمر: أن حركة النهضة «لم تعد تشكل خطراً على الدولة» وأثنى على توجهاتها الجديدة، وقال: «لا يفوتني أن أنوه بالتطور الذي عرفته «حركة النهضة» بقيادة الغنوشي، الذي تجلى في ضرورة القطع بين الدعوي والسياسي، وكذلك القطع مع احتكار الدين».
والمعلوم أن حزب نداء تونس الذي أسسه السبسي، يتشارك مع النهضة وأحزاب أخرى في حكومة ائتلافية يقودها الحبيب الصيد.
وكانت قد راجت في الأيام القليلة الماضية، أنباء عن مقاطعة النهضة لمؤتمر لحركة «الإخوان المسلمين» في تركيا، وتوجيه الغنوشي نقداً شديداً اللهجة للمؤتمر، وهي أنباء لم تتأكد، لكن المؤكد أن النهضة أخذت تشق طريقها الخاص كحركة سياسية تونسية ذات مرجعية إسلامية، وأنها في صدد قطع علاقتها بتنظيمات إسلامية خارج تونس إن لم تكن قد قطعتها بالفعل، علاوة على التوقف عن تسخير الدين لأغراض حزبية.
ومن المنتظر أن تتكرس حالة الانفراج السياسي التي تعيشها في تونس، بعد أن تغلبت لغة الوفاق والشراكة بين التيارات الرئيسية، على أسلوب الصراع والتناحر، وبعد انحسار المخاوف من أن تشكل النهضة ملاذاً للمتشددين الذين يناصبون الدولة والمجتمع العداء. وقد حدث مثل هذا الأمر في سنوات سابقة، وخلال عامين عقب الإطاحة بابن علي. وقد تبعت ذلك موجة اغتيالات قادت البلاد إلى احتقان شديد، ودفعت نحو إجراء انتخابات جديدة، حلّ فيها قائد السبسي محل الرئيس السابق المنصف المرزوقي. وصعد نجم حركة نداء تونس في البرلمان ( التي شهدت انشقاقاً داخلها في ما بعد)، فيما تراجعت النهضة إلى المركز الثاني.
نائب رئيس حركة «النهضة»، عبد الفتاح مورو قال: «إن تونس موحدة في مواجهة الإرهاب والدكتاتورية والتخلف، وأن التدافع والتنافس يختفي إذا كانت هناك لحظة وطنية»، مشدداً على أن «تونس قبل النهضة، وأن الحركة اليوم هي نهضة جديدة».

المعنيون في تونس سوف يعاينون في مقبل الأيام إذا ما كانت هناك نهضة جديدة بالفعل. وسوى ذلك فإن سائر القوى السياسية والبرلمانية مدعوة لتمكين الدولة من مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن تم وبنجاح قطع أشواط مهمة على طريق البناء السياسي والدستوري، ذلك أن الشرائح الضعيفة والمهمشة لا تتوقف قليلاً أو كثيراً أمام تطورات الوضع السياسي الداخلي، بقدر ما يهمّها تأمين موارد عيشها في أجواء من الكرامة والعدالة، وإذ تقترب الثورة من إتمام سنتها السادسة، فإن من حق الفئات المتعسرة أن تلمس فارقاً في مستوى معيشتها وضمانات حياتها بين ما قبل ثورة الياسمين وما بعدها.

يقول المرء بذلك متمنياً، بأن تواصل تونس طريقها الديمقراطي والتنموي، وأن تظل مصدراً للإلهام والإشعاع.

محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"