الفلسطينيون ولعنة السلام الأمريكي

04:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

أصحاب الضمائر اليقظة والعقول المستنيرة هم أول من يعارض العقوبات الجماعية التي تفرضها الإدارة الأمريكية على الشعب الفلسطيني بحرمانه من المساعدات المخصصة للتعليم والصحة والأغراض الإنسانية المختلفة. وسواء كان الدافع هو المبادئ الإنسانية والأخلاقية، أو الحسابات السياسية يؤمن هؤلاء بأن السياسة الأمريكية الحالية خاطئة تماماً.
انحياز أمريكا ل«إسرائيل» ليس استثناء فهو أحد الطقوس الثابتة لسياستها ولم تستحدثه الإدارة الحالية، غير أنها تجاوزته إلى خصومة حقيقية مع الشعب الفلسطيني. في البداية تراجع ترامب عن الالتزام التقليدي بحل الدولتين، ثم نفذ وعده بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وتبنى كل مواقف الحكومة اليمينية المتطرفة في «إسرائيل». في الأسابيع الأخيرة بدأ جولة جديدة من حربه ضد الشعب الفلسطيني بقطع المساعدات المالية سواء التي تقدمها بلاده مباشرة أو من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وهي المساعدات المخصصة للتعليم والرعاية الصحية والتأهيل وغيرها من الأغراض الإنسانية.
لم يستثنِ حتى مساعدة محدودة تقدمها واشنطن إلى المستشفيات الفلسطينية في القدس. أحدث الخطوات كانت إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
تبرر الإدارة الأمريكية هذه الحرب الانتقامية بأن القيادة الفلسطينية لا تتجاوب مع ما تعتبره جهوداً للسلام تحولت في الواقع إلى لعنة أصابت الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره. تشعر الإدارة بالغضب أيضاً لأن الفلسطينيين لم يتحمسوا لما تصفه بصفقة القرن المزمع إعلانها والتي لا يشك أحد في أنها لن تكون أكثر من صك لتصفية القضية على ضوء مواقف واشنطن الحالية.
في مواجهة هذا الظلم الأمريكي الصارخ ومقابل جوقة التهليل المؤيدة، يظل هناك من يسبح ضد التيار مؤمناً بأن ما تفعله واشنطن خطأ ولن ينفع حتى «إسرائيل» نفسها.
سنكتفي هنا بعرض نموذجين أحدهما أمريكي والآخر «إسرائيلي». الأول يجسده دانيل كيرتز السفير الأمريكي السابق في «إسرائيل» والأستاذ حالياً بجامعة برينستون. اعتبر السفير أن قطع المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين عار على الإدارة الحالية. وقال إنه من السخيف أن من يسمون أنفسهم صانعي سلام يفعلون عكس ذلك المعنى تماماً، ويطبقون عقوباتهم بصورة عكسية.
تصريحات كيرتز جاءت ضمن مقال نشرته مجلة «نيويوركر» للكاتبة الأمريكية روبين رايت وهي أيضاً واحدة من أصحاب المواقف النبيلة وقد اختارت لمقالها عنواناً هو «ترامب يغلق مكتب التمثيل الفلسطيني ومعه أبواب السلام».
النموذج الآخر «إسرائيلي» وبالطبع لا يعارض قرارات ترامب حباً في الفلسطينيين أو رحمة بهم ولكن لأنها لا تصب في النهاية لصالح «إسرائيل» حتى لو بدت كذلك ظاهرياً. هذا الرأي يتبناه الكولونيل المتقاعد بيتر ليرنر ونشرته صحيفة «هآرتس» الأسبوع الماضي. ينصح الكاتب مواطنيه بألا يحتفوا بالإجراءات الحالية التي يعتبرها منحة مجانية للمتشددين الفلسطينيين.
يطرح ليرنر سؤالاً مهماً هو: هل سيتحقق السلام بقطع المساعدات عن الفلسطينيين وإفقارهم؟ يرد سريعاً بقوله: إن السوابق تقول إن الفقر كان دائما الأرض الخصبة التي نما فيها التطرف والعنف والإرهاب. سؤال آخر يطرحه هو: من سيحصد المكاسب من سقوط السلطة الفلسطينية؟ يجيب أيضاً، أن الفائز سيكون أي طرف آخر غير «إسرائيل» التي ليس من مصلحتها العودة إلى الإدارة المدنية العسكرية المباشرة للضفة بكل ما تمثله من أعباء ومشاكل.
يختتم الكاتب انتقاداته لسياسة ترامب بمناشدته إعادة دراسة استراتيجية أكثر حكمة، وطرح خريطة طريق يمكن من خلالها استخدام أموال المساعدات لبناء بنية تحتية تضمن للفلسطينيين حياة أفضل وتشجعهم على الانخراط في عملية سلام.
المساعدات لا يجب أن تكون أداة للابتزاز أو فرض الشروط، وعلى ترامب أن يقتنع بأنه لا يمكن إبرام «صفقة القرن» مع «إسرائيل» وحدها، وأن محاولة إجبار الفلسطينيين على الخضوع والإذعان ليست أكثر من قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه «إسرائيل». الكلمات السابقة كلها ليست لنا ولكنها للكولونيل بيتر ليرنر الذي ظل يقاتل الفلسطينيين 25 عاماً هي مدة خدمته في الجيش «الإسرائيلي».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"