كفاءة التخصيص في الأسواق الآسيوية

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي *

تجاوزت الاقتصادات الآسيوية هجمة الركود العالمي الأخير بيسر أكبر مما حدث في الأزمات السابقة. فقد تحسنت موارد الشركات الآسيوية بدرجة ملحوظة. وتراجع تمويل الشركات عن طريق الديون وارتفعت الربحية والسيولة. كما تحسنت بشكل كبير مؤشرات التعرض للمخاطر، وانخفضت احتمالات تعثر قطاع الشركات في الوفاء بالتزاماته. وباختصار، هناك شواهد على أن الممارسات المالية للشركات أكثر سلامة وقوة في عدد من البلدان الآسيوية التي ضربتها الأزمة. كما ازدادت الأنظمة المالية في الإقليم قوة. وعلى وجه الخصوص، تحسنت المؤشرات المالية للأجهزة المصرفية على مدى العقد الماضي. لذلك فإن الاقتصادات الآسيوية تستطيع الآن زيادة الإنفاق على الاستثمار لتلبية الطلب المتزايد في بلدانها عندما تستعيد توازنها بالاتجاه نحو مصادر محلية للنمو وتستفيد بأقصى قدر ممكن من الانتعاش العالمي. وستتوقف كيفية استفادة البلدان الآسيوية من هذه الفرص، جزئياً، على مدى نجاح أنظمتها المالية في تخصيص الأموال القابلة للاستثمار بين المشروعات الاستثمارية المختلفة، وذلك عن طريق تقليل تكلفة رأس المال وتوجيه الأموال إلى المجالات الأشد احتياجاً إليها. وتستطيع إصلاحات القطاع المالي أن تساعد في كلا الأمرين.
هناك عيوب في الأسواق المالية الآسيوية يمكن تسويتها عن طريق الإصلاحات - أي أن تكون تكاليف المعاملات مرتفعة أو تجعل من الصعب على الشركات أن تقترض؟ قد تنشأ العيوب نتيجة لطائفة متنوعة من الأسباب، مثل الهيكل المؤسسي، وحجم السوق المالية، والثغرات في المعلومات. وهناك شواهد على أن مثل هذه العيوب تعوق كفاءة تخصيص رؤوس الأموال بين القطاعات والشركات في آسيا. ومن الطبيعي أن العيوب وقيود التمويل تتباين فيما بين القطاعات والبلدان، خاصة عند مقارنتها بأسواق أكثر تقدماً مثل الولايات المتحدة، حتى إن القيود التي تعوق استعادة التوازن تختلف على الأرجح بين الاقتصادات. كما أن هناك اختلافات بين قطاعات النظام المالي الواحد.
وفيما يتعلق ببعض الاقتصادات، مثل الهند وتايلاند، توجد شواهد على وجود عيوب في القطاع المالي ككل، ووجود قيود على تمويل الشركات. أما في بلدان أخرى، فالشواهد أكثر ضعفاً على العيوب المالية. ففي كوريا وماليزيا ومقاطعة تايوان الصينية - التي لديها قطاعات غير مصرفية أعمق - يبدو أن الأنظمة المالية تخصص رؤوس الأموال بكفاءة أكثر. ويبدو أن أسواق الأسهم وسندات القروض بشكل خاص أنجح من الجهاز المصرفي في تخصيص التمويل بين القطاعات والشركات.
ولكن هذا الأمر لا ينطبق إلا على الشركات المدرجة في أسواق الأوراق المالية التي لديها فرصة الحصول على التمويل الخارجي. إلا أن كثيراً من الشركات في بلدان عديدة - وأغلبها مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم وليست مدرجة في أسواق الأوراق المالية - لا يستطيع الحصول على تمويل خارجي من خلال أسواق مالية منظمة، ولا تزال قيود التمويل شديدة على هذه الشركات، وهي تعتمد بشكل كبير على المصادر الداخلية لتمويل نموها، ويمكن توقع أن تؤدي إصلاحات القطاع المالي إلى تخفيف القيود بالنسبة للشركات غير المدرجة في أسواق الأوراق المالية.
وهناك بالفعل مبادرات جارية في بلدان آسيوية - على المستويين الوطني والدولي- من أجل توسيع الأنظمة المالية وإصلاحها. فعلى سبيل المثال، قامت تايلاند بوضع المخطط الشامل الثاني للقطاع المالي والمخطط الشامل لتطوير أسواق رأس المال، واتخذت ماليزيا مؤخراً تدابير لزيادة تحرير قطاعها المالي وتنمية التمويل الإسلامي في كل من قطاع البنوك وأسواق رأس المال. وعلى المستوى الدولي، هناك مبادرة أسواق السندات الآسيوية وهي مبادرة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا والصين واليابان وكوريا (آسيان + 3) وتهدف هذه المبادرة إلى تكوين أسواق سندات تتوافر لها السيولة وتتسم بالكفاءة، مما ييسر استخدام المدخرات الآسيوية في الاستثمارات الآسيوية. وقد قطعت هذه المبادرة شوطاً بعيداً في تعزيز أسواق السندات بالعملة المحلية. ويتم الربط بين الأسواق المالية على مستوى آسيا ككل لتحسين تدفق رؤوس الأموال عبر الحدود في منطقة آسيان. وستزيد هذه الإصلاحات أسواق آسيا المالية عمقاً وكفاءة، سيساعد بدوره في خفض تكلفة رأس المال ويحفز الاستثمار ويعزز استعادة التوازن في آسيا.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"