اكتشاف النفط والتوقعات غير الواقعية

03:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
ربما يكون وجود موارد طبيعية مثل النفط والغاز والرواسب المعدنية بكميات وفيرة في أي بلد مفيداً له، لكن لم تنجح طفرات الموارد الكثيرة التي شهدتها البلدان الفقيرة في الماضي - وخاصّة في إفريقيا - في تحسين حظوظ تلك البلدان بصورة كبيرة، فتركتها في نفس الفقر الذي كانت عليه تقريباً قبل المقارنة بما هو قبل اكتشاف تلك الموارد. وتبدأ القصة مع اكتشاف النفط الذي يؤدي غالباً إلى انفجار للتوقعات غير الواقعية التي يمكن أن تصبح مشكلة في وقت قصير للحكومات.
في مارس/آذار 2012، أعلنت إحدى شركات النفط التي تقوم بالتنقيب في شمال كينيا، أنها وجدت نفطاً. وفي تلك المرحلة لم تكن هناك طريقة لمعرفة ما إذا كان الاكتشاف ناجحاً من الناحية التجارية - وحتى في أفضل السيناريوهات، لا بد أن تمر أربع سنوات على الأقل قبل أن يبدأ النفط في التدفق. ومع ذلك، بدأت النقابات العمالية في القطاع العام بحلول الشهر التالي في المطالبة بزيادة طموحة في الأجور. وتثبت التجارب، بأن سلسلة القرارات الاقتصادية اللازمة لتسخير الموارد للتنمية طويلة ومعقدة. وذلك فعلياً سبب احتياج الحكومات إلى قدر كبير من بناء القدرات المتخصصة. ولكن إذا كان يتعين على الحكومات أن تعزز فهمها، فذلك أيضاً ما يتعين على المواطنين في تلك الدول - بصورة تتجاوز مجرد القدرة على تدقيق الأرقام.
ففي غياب الفهم يمكن لمواطني تلك الدول أن يمارسوا ضغوطاً على الحكومات فتقوم بتبديد ثروة الموارد الجديدة في حركات تكسبها شعبية. مثل قيامها بزيادة أجور موظفي القطاع العام؛ ففي عام 1974، كانت نيجيريا واحدة من أوائل البلدان الفقيرة التي تشهد طفرة نفطية. وفي العام التالي، نتيجة لانفجار في توقعات المواطنين، استجابت الحكومة للضغوط برفع أجور القطاع العام بنسبة 75%. وفي عام 2012، كرر الكينيون نفس الأحداث.
وأحد الأشكال الأخرى للأعمال التي تكسب الحكومة شعبية هو توفير وقود البنزين بسعر منخفض للطبقات المتوسطة. في العام 2012 أيضاً، عندما حاول الإصلاحيون الاقتصاديون في نيجيريا إنهاء دعم الوقود الذي تراكم كتنازلات لإرضاء الجماهير، اشتعلت البلاد. وهناك معلقون لديهم ثقة كبيرة للغاية في قدرة الأشخاص العاديين على اتخاذ قرارات جيدة إلى حد أنهم يدعون إلى توزيع إيرادات الموارد على المواطنين في صورة مبالغ نقدية تسلم لهم.
اعتمد هذا المنهج في منغوليا وتسبب في أضرار ضخمة نتيجة لأعمال أكسبت الحكومة شعبية فيما يتعلق بالموارد. فقد ضغط الناخبون على الأحزاب السياسية لتتنافس في تقديم أعلى المبالغ، وكانت النتيجة توزيع نصف الدخل القومي - أعلى بكثير من إيرادات الموارد التي تلقتها الحكومة من الموارد.
يمكن التصدي لهذا النوع من انعدام الواقعية بعرض ذكي للحقائق الأساسية. وقد وجد علماء النفس أن طريقة عرض الحقائق أو «تأطيرها» تحدث فرقاً كبيراً في طريقة رد فعل الأشخاص تجاهها. وعلى سبيل المثال، دفعت شركة إكسون موبيل لحكومة ليبيريا في عام 2013 مبلغ 50 مليون دولار أمريكي مقابل حقوق التنقيب. وبالنسبة للفرد الليبري العادي، كان هذا المبلغ يعني بداية ثروة خيالية. ولكن ربما كانت المناقشة بشأن ما يمكن أن يشتريه هذا المبلغ ستصبح أكثر واقعية لو كان الخبر قد نقل بطريقة تبين المبلغ الذي سيحصل عليه كل ليبري - ما يعادل 12 دولاراً فقط. فلو كان الخبر قد صيغ في هذا الإطار لربما أمكن لليبريين رؤية أن المبلغ الذي دفعته إكسون موبيل لن يغير حياتهم.
وفي كينيا، كانت الحقيقة الجوهرية التي يتعين إبلاغها ليس نصيب الفرد من المبلغ وإنما حالات التأخير الطويلة وحالات انعدام اليقين المتبقية. وكان من اللازم أن يتصدى شخص للمطالب السابقة لأوانها بزيادة الأجور بقول ما يلي: «لا تعدّ الأفراخ قبل أن يفقس البيض». علاوة على أن النفط مورد غير متجدد، واستخراج الأصل يؤدي إلى نضوبه فمن الممكن أن تكون الإيرادات قصيرة العمر. وفي أغلب الاكتشافات التي تحدث في إفريقيا، تنضب الموارد في غضون جيل واحد تقريباً، وعلاوة على ذلك، تؤدي سرعة نمو السكان إلى خفض نصيب الفرد من الموارد. وعلى سبيل المثال، لنفرض أن الاستخراج المطرد سيؤدي إلى نضوب النفط في غضون 50 عاماً. وإذا كان عدد السكان يزيد بمعدل 2% سنوياً، فبعد 25 سنة فقط سيكون نصيب الفرد من النفط قد تراجع بمقدار 70%. هذا بخلاف اعتماد القيمة المستقبلية للنفط على سعره. مع استمرار ظاهرة تقلب أسعار النفط.
عبدالعظيم محمود حنفي
* كاتب وباحث أكاديمي مصري
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"