رأس المال ومفاتيح النمو

01:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
تخبرنا النظرية الاقتصادية المعيارية، أن رأس المال لا بد له في نهاية الأمر أن يتدفق من البلدان الأكثر ثراء إلى البلدان الأشد فقراً. وهذا يعنى أنه لا بد أن يتدفق من البلدان التي لديها نصيب أكبر لكل عامل من رأس المال المادي ومن ثم تكون لديها فرص أكثر في مجالات مواتية للاستثمار. ومن حيث المبدأ، لا بد أن يجعل هذا التحرك لرأس المال، البلدان الفقيرة أفضل حالاً من خلال توفير الفرص لها للحصول على موارد مالية أكثر تستطيع عندئذ أن تستثمرها في رأس المال المادي مثل المعدات والآلات والبنية الأساسية. ومثل هذا الاستثمار لا بد أن يحسن مستويات العمالة والدخل.
ومن الطبيعي توقع، أنه مع حشد العولمة المالية قواها، فإن هذه التدفقات من البلدان الصناعية إلى البلدان النامية ستزيد. مما يؤدي إلى تحسين أحوال كل البلدان. وهذا هو السيناريو وفق النظرية الاقتصادية المعيارية. ولكن ما هو الواقع؟ في مقالة شهيرة كتبها روبرت لوكاس في عام 1990، إشارة إلى أن تدفقات رأس المال من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة كانت متواضعة جداً ولم تكن قريبة بحال من المستويات التي تكهنت بها النظرية. إن ما حدث من أوجه العجز في الحساب الجاري في الولايات المتحدة، وفوائض في الحساب الجاري الصيني، جزء كبير من السبب الذي يفسر لماذا يتدفق رأس المال «صعداً»، ولكن ذلك لا يفسر القصة كاملة. فكثير من البلدان الصناعية تواجه حالياً عجزاً في الحساب الجاري، في حين أن عدداً كبيراً من اقتصادات السوق الناهضة تحقق فوائض. لعل مفارقة لوكاس ليست بمقارنة إذا تعمق المرء المسألة. وفي نهاية المطاف فإن الكثير من البلدان النامية تحدق بها طائفة من المشكلات مما يقلل من العوائد على الاستثمار المصححة لمراعاة المخاطر. وهذه المشكلات يمكن أن تفسر لماذا لا يتدفق رأس المال إلى البلدان النامية بالكميات التي يتوقعها المرء. وقد يكون العائد المصحح لمراعاة المخاطر الذي يمكن للمستثمر الأجنبي الحصول عليه من الاستثمار في هذه البلدان أقل كثيراً من معدل العائد الذي يمكن توقعه على أساس مجرد الندرة النسبية لرأس المال والوفرة النسبية للعمالة. وعلى أي حال. فإن رأس المال الذي يتدفق إلى بلدان غير صناعية، لا بد أن يتجه على نحو أكثر إلى بلدان تنمو بأسرع معدل، ومن ثم يرجح أن تتوافر لديها أفضل الفرص للاستثمار.
وأظهرت دراسات تجريبية نشرها البنك الدولي أن البلدان النامية التي اعتمدت على نحو أقل على التمويل الخارجي حققت نمواً أسرع على المدى الطويل.
وتوصلت دراسات ممتدة لصندوق النقد الدولي إلى نتيجة مضمونها بأنه يوجد ارتباط إيجابي بين فائض الحساب الجاري ومعدل النمو في بلد ما؟ ورجح خبراء الصندوق تفسير أن العلاقة تعكس، وتحركها المدخرات المحلية التي تحددها إما قوى أعمق أو تتولد من خلال النمو ذاته، وفي نهاية المطاف، فإذا استجابت التدفقات الأجنبية الوافدة إلى حد كبير لفرص الاستثمار، فلا بد أنه توجد علاقة سلبية غامضة بين النمو والحساب الجاري. والواقع أنه يبدو أن الارتباط الإيجابي الذي توصلت له دراسات الصندوق تحركه إلى حد كبير، المدخرات الوطنية. وهذا يعني أن البلدان غير الصناعية التي تحوز مدخرات أعلى بالنسبة لمستوى معين من الاستثمار تشهد نمواً أعلى. وبالطبع، فإن الاستثمار في البلدان مرتفعة الادخار يمكن أن يكون أكثر ارتفاعاً. ومن ثم فإن المدخرات الوطنية المرتفعة لا تعني ضمناً قلة الاعتماد على المدخرات الأجنبية. كما أن الاعتماد المفرط على رأس المال الأجنبي قد تكون له عواقب ضارة. وهذا بدوره يمكن أن يلحق أضراراً بقدرة قطاعات رئيسية مثل الصناعة التحويلية على المنافسة وبصادراتها. وتوحي التحليلات الأخيرة لوقائع النمو بأن القطاع الديناميكي للصناعة التحويلية يعتبر مفتاحاً للنمو طويل الأجل. ومن ثم فإن تقليل الاعتماد على رأس المال الأجنبي - وتجنب الإفراط في التقدير يساعد في تنمية قطاع صناعة تحويلية يستهدف التصدير.
د. عبد العظيم محمود حنفي *
* كاتب وباحث أكاديمي مصري
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"