لغز العلاقة بين التضخم وأعمار السكان

02:00 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعظيم محمود حنفي *

ارتفع معدل التضخم ارتفاعاً مستمراً خلال سبعينات القرن الماضي، فيما يبدو أن معدلات التضخم منخفضة بشكل مستمر في الوقت الحالي. وقد تزامن هذا التحول مع تقدم ما يعرف بجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية في العمر من مرحلة المراهقة إلى سن العمل في اقتصادات متقدمة عديدة. وتشير النظريات الاقتصادية التقليدية إلى عدم وجود رابط بين هذين الاتجاهين: فجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية ينبغي ألا يكون له تأثير في التضخم نظراً لأن التضخم ظاهرة نقدية يمكن كبحها من خلال السياسة النقدية. ولكن خلصت بعض الدراسات الحديثة إلى وجود ارتباط قوي بين اتجاهات التضخم - متوسط معدل ارتفاع الأسعار خلال عدة سنوات - وهيكل أعمار السكان. وتحديداً توصلت تلك الدراسات إلى أنه كلما ازدادت نسبة صغار السن وكبار السن في مجموع عدد السكان، ارتفعت معدلات التضخم. وبعبارة أخرى، كلما ازداد عدد السكان في سن العمل، كان لذلك تأثير انكماشي على معدلات التضخم وأن هذه الآثار كبيرة بما يكفي لكى تكون السبب في الجزء الأكبر من اتجاهات التضخم. وأنه على سبيل المثال، أسهم جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية في ارتفاع معدل التضخم بحوالي 6 نقاط مئوية في الولايات المتحدة خلال الفترة من 1955 - 1975 وتراجعه بمقدار 5 نقاط مئوية بين 1975 - 1990 عندما بدأ مواليد هذا الجيل حياتهم العملية. واتجاهات التضخم منخفضة ومستقرة حاليا نظراً لأن تراجع نسبة صغار السن يوازن تأثير زيادة نسبة كبار السن.
وما دام التضخم ظاهرة نقدية، لماذا لم تنجح البنوك المركزية في موازنة تأثير ضغوط التضخم الناتجة عن تغير أعمار السكان؟ يقدم بعض المحللين تفسيرين منطقيين على الأقل، أولاً، من الممكن أن تكون الضغوط السياسية قد دفعت البنوك المركزية إلى وضع سياسات تتسق مع مستويات تضخم معينة ملائمة لأفضليات الفئات العمرية التي تشكل الجزء الأكبر من السكان. وثانيا، قد يعكس نمط العلاقة بين التضخم وهيكل الأعمار عدم قدرة البنوك المركزية على توقع تحركات سعر الفائدة الحقيقي التوازني - أي السعر الذي يؤدي إلى استقرار مستوى التضخم. ولكن هذين السببين لا يفسران ما نراه في البيانات التي قدمتها تلك الدراسات. فليس من الواضح تماماً السبب في تأثير هيكل الأعمار في اقتصاد ما على التضخم، ولكن العلاقة بينهما قوية ولها انعكاسات كبيرة في الواقع العملي، فمن ناحية تتعارض هذه العلاقة مع الرأي بأن التوقعات لها دور كبير في تكون اتجاهات التضخم، وهي نظرية نشأت من تجربة التضخم في ستينات وسبعينات القرن الماضي. كذلك فإن العلاقة بين هيكل الأعمار ومعدل زيادة الأسعار تتيح التنبؤ باتجاهات التضخم، وتشير بعض التقديرات إلى أنه ما لم يعمل جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية لفترة أطول من آبائهم، فسوف يؤدى تقاعدهم إلى ارتفاع التضخم في نهاية المطاف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"