استراتيجية روسيا لفك الحصار

03:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

يشير الخبراء الدوليون إلى أن روسيا تسعى منذ بداية الألفية الجديدة، إلى مواجهة محاولات الغرب بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو الساعية إلى محاصرتها انطلاقاً من حدودها الشرقية عبر أوكرانيا، وجورجيا، إضافة إلى التضييق على وجودها البحري في سوريا عبر المناورات التي تقوم بها تركيا في الحدود مع سوريا. وقد قررت موسكو التصدي لهذا الحصار عبر تشكيل قوس من التحالفات والشراكة يمتد من آسيا، ليصل إلى إفريقيا، عبر نقطة ارتكاز رئيسية تتواجد في شرق البحر المتوسط، مع توفر إمكانية التمدد الفعلي نحو غرب المتوسط عبر العلاقات الوثيقة التي تقيمها موسكو مع مجمل دول شمال إفريقيا، وفي طليعتها مصر، والجزائر.
ويؤكد هؤلاء الخبراء، وفي مقدمتهم برنار لوغان، أن الاستراتيجية الروسية الراهنة لفك الحصار هي بمثابة إحياء وتفعيل، وأيضاً تعديل للاستراتيجية السابقة التي تم تبنيها من طرف الاتحاد السوفييتي في الستينات من القرن الماضي، بعد أن تخلى جوزيف ستالين عن سياسته المتعلقة بالتركيز على أوروبا، محاولاً بذلك الالتفاف على حلف الناتو من خلال التوجه نحو الجنوب. ويجري تجسيد هذه الإستراتيجية الآن في سياق امتلاك روسيا قدرات فائقة على تسيير الأوضاع، وعلى التحكم في التطورات الجيوسياسية الدولية، وتوظيفها لخدمة مصالحها، بناءً على رؤية تعتمد قراءة مغايرة، وغير تقليدية للجغرافيا السياسية العالمية، من خلال استعادة تحالفات ظن الكثيرون أنها انتهت مع نهاية الحرب الباردة، كما حدث على سبيل المثال من خلال إحياء العلاقات الاستراتيجية مع مصر التي انقطعت سنة 1972 لتُستأنف بشكل قوي في سنة 2016 مع عودة المناورات العسكرية المشتركة بين الجيشين الروسي، والمصري.
ويصف لوغان التحركات الاقتصادية والسياسية التي تقوم بها روسيا في إفريقيا، بالعودة الكبرى، كما يشير في السياق نفسه إلى أن الخبراء الغربيين يخطئون في حكمهم على التواجد الروسي في إفريقيا، انطلاقاً من الإمكانات المتواضعة للاقتصاد الروسي مقارنة بالاقتصادات الخاصة بالدول الكبرى، مثل الصين، وأمريكا، وأوروبا، لاسيما ألمانيا التي احتلت المرتبة الأوروبية الأولى من حيث حجم المبادلات التجارية مع إفريقيا خلال السنوات الأخيرة.
وعليه، فإن لوغان يواصل تحليله بشأن الاستراتيجية الروسية الجديدة في إفريقيا، بالقول إن بوتين يعود إلى إفريقيا لسببين رئيسيين، لا صلة لهما بالمعطيات الاقتصادية الصرفة: أولهما أن بوتين لا ينتقل إلى إفريقيا للبحث عن معادنها، فلديه ما يكفيه في بلاده الغنية بالمواد الأولية، ولكنه ينتقل لأسباب جيواستراتيجية لكي يفك بداية من الجنوب الطوق الذي أراد «الناتو» أن يفرضه عليه، ويكمن العامل، أو السبب الثاني في أن سياسة بوتين في القارة الإفريقية لا تستند إلى أعذار ومبررات تتعلق بالتنمية، لعلمه أن محاولات عدة تم القيام بها من أجل تطوير القارة، ولكن من دون جدوى.
وكانت روسيا استقبلت في سياق متصل في الفترة الممتدة من 22 إلى 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في منتجع سوتشي 43 مسؤول دولة إفريقية، في قمة هي الأولى من نوعها بين روسيا والقارة السمراء، من أجل تأكيد رغبة موسكو القوية في العودة إلى لعب دور محوري في الرهانات الجيوسياسية في إفريقيا. وقد خلص معظم المراقبين إلى أن القمة كانت بمثابة انتصار باهر لدبلوماسية بوتين في إفريقيا، بالرغم من عدم التوصل إلى نتائج حاسمة على المستوى العملي، نتيجة للخلفيات السياسية والاستراتيجية للقمة التي كانت تتجاوز بشكل واضح الحسابات الاقتصادية التي يمكن لروسيا أن تترك للصين مهمة التكفل بها على أفضل وجه، في سياق التحالف القوي الذي يجمع بين موسكو، وبكين.
ويمكن القول في الأخير، إنه وبالرغم من أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على نجاح الاستراتيجية الروسية في تقويض الحصار الغربي عليها، إلا أن معظم المؤشرات المتوافرة تشير إلى أن موسكو، بزعامة فلاديمير بوتين، قد تمكنت حتى الآن من جمع العديد من الأوراق الرابحة التي من شأنها أن تدفع الغرب إلى مراجعة سياساته العدائية نحوها، وقد تكون المقاربة السياسة الأوروبية الجديدة التي تتبناها فرنسا، أفضل مثال على ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"