الغموض السياسي للحركة الكردية - السورية

03:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

لم تهدأ الحملة المتبادلة منذ أسابيع بين قوى سياسية سورية معارضة وناشطين سوريين من جهة, وبين الفصيل الكردي ( قوات الحماية الشعبية) المنبثق عن «حزب الاتحاد الديمقراطي» من جهة ثانية، وذلك على خلفية نزوح أو تهجير أبناء عشرات القرى العربية في ريف الحسكة وريف حلب شمال البلاد. وقد اشتدت هذه الحملة مع تحرير قوات الحماية لبلدة تل الأبيض على الحدود مع تركيا من تنظيم داعش الإرهابي، والأنباء المتوالية عن هجرة المزيد من أبناء القرى.
قوات الحماية تنفي قيامها بتهجير قسري، وتعترف بأن هناك عمليات نزوح واسعة بسبب مخاوف الأهالي من انعكاس الصراع عليهم. فيما قوى المعارضة تتحدث عن تهجير أبناء 75 قرية في الريفين الشرقي والغربي للحسكة، وترى في الأمر تطهيراً عرقياً يرمي إلى التخلص من العنصر العربي السوري، وإحلال سكان أكراد محل هذا المكون. وتزيد على ذلك بأن «قوات الحماية» تتبع حزب الاتحاد الديمقراطي وهذا الحزب هو الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني/ التركي.
المشهد بعدئذ لا يخلو من تعقيد. فقوات الحماية تنشط بالتعاون مع الجيش الحر، وسبق أن شهدت المعركة الطويلة الضارية ضد داعش في كوباني (عين العرب) مثل هذا لتعاون. في وقت ما زالت فيه هناك قوات نظامية سورية في الحسكة والقامشلي، ولا يخفي حزب الاتحاد برئاسة صالح مسلم تعاونه مع الحكم في دمشق.
والمغزى من ذلك أن الحركة الكردية تلعب بأوراق عديدة متضاربة. فهناك ممثلون للأكراد في الائتلاف الوطني المعارض، لكنهم لا يتبعون حزب صالح مسلم. وأمام الضجة المتصاعدة التي تهدد العلاقات العربية الكردية في سوريا حاضراً ومستقبلاً، فقد شكل الائتلاف المعارض لجنة تحقيق لمعاينة الوضع على الأرض بمشاركة ممثلي الأكراد في الائتلاف.
أيا كانت نتيجة التحقيق المزمع فإن قدراً من التسمم أصاب علاقات العرب بالأكراد. ولا يعقل نزوح عشرات الآلاف من قراهم وموارد رزقهم لو كان هناك ما يبعث على الاطمئنان لدى هؤلاء الأهالي الكادحين. ويلحظ المرء في هذه الأثناء أن الحركة الكردية وبالذات قوات الحماية تتكتم حول أهدافها السياسية بل وتضفي غموضاً يكاد يكون متعمداً حول برنامجها السياسي، فهي تتعاون مع النظام والمعارضة معاً، وبصرف النظر عن الطرف المستفيد من هذه الثنائية أكانت المعارضة أم النظام، فالثابت أن الأهالي العرب هم الخاسرون. فالطرف الكردي المسلح لا يخطابهم بشيء عن طبيعة أهدافه ونواياه، باستثناء السيطرة على أكبر مساحات جغرافية متصلة قابلة لأن تتحول إلى إقليم كردي بحكم ذاتي واقعي، حتى لو لم يتم الإعلان عنه، إنما هو حقا قيد الإعداد على الأرض. وقد لوحظ مؤخراً أن محطة بث كردية تدعى «رووداو» نقلت في موقعها الالكتروني عمن وصفته بوزير خارجية مقاطعة كوباني إبراهيم كوردو قوله «إن الباب مفتوح أمام مختلف وسائل الإعلام والمنظمات الدولية للمجيء إلى تل أبيض والتعرف إلى الحقائق عن كثب واصفاً ما يتم الحديث عنه حول تهجير عرب وتركمان بأنه ادعاءات باطلة».
وحسناً أن تكون الأبواب مفتوحة في تل أبيض وفي ريف الحسكة ومناطق أخرى في الشمال لمعاينة الوقائع على الأرض، من أجل قطع الشك باليقين، وقبل ذلك من أجل إنقاذ آلاف البشر من ويلات التشرد بعيداً عن بيوتهم ومصادر رزقهم. وخلال ذلك فإنه يستوقف المرء نعت مسؤول كردي بأنه «وزير خارجية مقاطعة كوباني». وما دامت كوباني ( عين العرب) أصبحت مقاطعة قائمة بذاتها، فإن الفضول يتجه لمعرفة أسماء المقاطعات الأخرى وأسماء بقية المسؤولين فيها، وذلك لتلمس حقيقة المشروع السياسي للحركة الكردية في سوريا.
تستفيد الحركة الكردية ممثلة بقوات الحماية من ضربات التحالف الدولي ضد داعش في مناطق تواجد الأكراد، وهو أمرٌ مشروع تماماً، غير أن ذلك لا يطفىء بقية التساؤلات حول البوصلة السياسية للحركة الكردية في هذه الآونة، ومن تراه صديقاً وحليفاً ومن تنظر إليه كخصم وغريم، وهل تكتفي حقاً بعلاقات مع التحالف الدولي ومع أمريكا بالذات، من دون بقية الشركاء في سوريا. وما هي نظرتها لمكونات السوريين الأخرى من عرب وتركمان ومسيحيين وسواهم خاصة أؤلئك الذين يقيمون في مناطق مختلطة مع الأكراد؟. وما هي نظرتها إلى مستقبل سوريا انطلاقا من واقع الحال القائم وما يشهده من تطاحن الإرادات؟.
لطالما وصفت الحركة الكردية بالبراعة وحسن استثمار التحولات في العراق وسوريا وأخيرا في تركيا مع صعود الحزب الكردي في الانتخابات البرلمانية التركية «حزب الشعوب الديمقراطي»، وهو وصف لا يجانبه الصواب، ولا ريب كذلك أن الأكراد عانوا على مدى عقود من الاضطهاد والتمييز وحتى التصفيات الفردية والجماعية في غير بلد، ومن حقهم أن يمنحوا شعبهم فرصة للحرية والكرامة والأمان.. مع الإقرار بوجاهة ما تقدم فإن ذلك لا ينفي أن الأكراد لا يعيشون بصورة منفردة، وأن تداخل مناطقهم واختلاطهم بمكونات اجتماعية وعرقية أخرى هو أمر غير قابل للإنكار أو القفز عنه، وأن التعايش بل التآخي مع الشركاء الأقربين هو من موجبات الحياة والاستقرار على الأمد الطويل، وحين تقترن تحركات حزب كردي مسلح بهجرة أو تهجير أبناء عشرات القرى، فليست تلك إشارة طيبة أبداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"