أمريكا المتسامحة مع الجنون والكذب فقط

03:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
لم يتعرض المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب لهجوم شرس منذ بدء حملته الانتخابية، مثل ذلك الذي يواجهه حالياً بسبب كلماته القبيحة في حق الأسرة المسلمة ذات الأصول الباكستانية التي فقدت ابنها في حرب العراق، هذه الأسرة الأمريكية استضافها الديمقراطيون في مؤتمرهم الأخير، وكانت هدفاً لتجريح ترامب وتصريحاته المسكونة بالعنصرية والعجرفة وتبلد المشاعر.
يمكن أن يكون ترامب مجنوناً بالفعل كما يراه كثيرون، إلا أن دولة المؤسسات القوية الراسخة في الولايات المتحدة قادرة على استيعاب جنونه وكبح تهوره، إذا فاز في الانتخابات المقبلة. لن يكون قادراً كرئيس على تنفيذ وعوده وتهديداته غير العقلانية، مثل منع دخول المسلمين أو السماح لدول أخرى بتطوير قدراتها النووية، أو إقامة علاقات أكثر دفئاً مع روسيا، أو الانسحاب من الناتو، أو تغريم الحلفاء ثمن الدفاع عنهم، إلى آخر تلك الترهات.
وقد يكون ترامب غير صادق، وهذا أيضاً يمكن احتواء ضرره إذا اقتصرت أقواله على فترة الحملة الانتخابية التي ينظر إليها على أنها مهرجان مفتوح للأكاذيب. بوسع أمريكا أن تتحمل مؤقتاً هذه الخصلة الرديئة، ولكن ما لا يمكنها تحمله، أو القبول به، هو وجود رئيس تنضح كلماته بالعنصرية وتتصادم قناعاته الشخصية مع المبادئ العامة التي قامت ونهضت على أساسها كأمة جامعة لمختلف الأعراق والثقافات، ودولة قانون يتعايش الجميع تحت لوائها.
يبدو أن ترامب المفعم بالعجرفة والمفتقد لأدنى درجات الذكاء والوعي السياسي، لم يفهم تلك الحقيقة البسيطة، ولذلك صدمته الحملة الشرسة التي انطلقت ضده بعد انتقاداته وسخريته من الوالدين المكلومين بفقد ابنهما.
ووجدت الصحافة في المناسبة فرصة لإعادة فتح ملفه، وإطلاق مناقشات صريحة وجارحة أحياناً، حول أهليته لتولي منصب الرئيس، بما في ذلك قدراته العقلية، وصحته النفسية التي يرى كثيرون أنها لا تجعله لائقاً لتحمل مسؤوليات المنصب الرفيع.
ولخصت واشنطن بوست الموقف بقولها إن ترامب أصبح تهديداً فريداً للديمقراطية الأمريكية، وخطراً عليها. أفكاره خاطئة، معلوماته كاذبة، مزاجه متقلب، تصريحاته متناقضة، تشخيصه لمشكلات الدولة غير صحيح، برنامجه لا يتضمن أي أفكار واقعية. لم يطرح حلولاً قابلة للتطبيق لأي مشكلة، حملته الانتخابية قائمة على التجريح الشخصي لخصومه، من دون أدلة أو ضوابط أخلاقية. يثير الانقسام داخل المجتمع. عنصريته تقوض دعائم التجربة الأمريكية الفريدة. خلصت الصحيفة بعد ذلك للقول إن صفة واحدة من تلك الصفات غير الحميدة تكفي لنسف فرص أي مرشح، وإنهاء مستقبله السياسي، أما اجتماعها معاً في شخص واحد هو ترامب فإنها تجعل منه خطراً داهماً على بلاده، لا يمكن، ولا يجب التراخي في مواجهته.
سياسيون وصحفيون آخرون كانوا أقل دبلوماسية وتحفظاً في التعبير عن رأيهم في ترامب، وتباروا في حصر إرهاصاته الكثيرة التي لم يتوقف عن ترديدها منذ ترشيحه. الخطر أنه لا يعبأ بانكشاف أمره، ولا يبذل أي مجهود لإثبات ما يقول. «إنه ماكينة أكاذيب لا تتوقف عن الإنتاج»، على حد وصف صحفي أمريكي. وخلال مارس/آذار الماضي نشرت صحيفة «بوليتيكو» تحليلاً لتصريحاته خلال أسبوع واحد، أظهر أنه يدلي بمعلومة خاطئة، أو مضللة كل خمس دقائق إذا تحدث. الحقيقة المريرةنفسها أكدها جلين كيسلر، مدقق المعلومات في واشنطن بوست، مشيراً إلى أن نسبة معلومات ترامب الخاطئة تتراوح ما بين 63% إلى 65% من المعلومات الواردة في تصريحاته. بينما منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في حدود 15% فقط. موقع آخر متخصص في هذا المجال اعتبر أن نسبة عدم الدقة في معلوماته تبلغ 70% وتتراجع إلى 28% في حالة هيلاري.
وإزاء إصراره على ذلك رغم افتضاح أمره، بدأ كثيرون يتساءلون عن مدى اتزانه النفسي وسلامة قواه العقلية. لأنه لا يمكن لإنسان طبيعي أن يتعامل بهذا القدر من الخفة مع الرأي العام. ولا يمكن لسياسي يطمح إلى تولى منصب رئيس أقوى دولة في العالم أن يدمر مصداقيته عامداً متعمداً. وقد نشر الصحفي الأمريكي ديلان استيلفورد تقريراً حشد فيه أمثلة عدة لمقالات كتاب مشهورين يشككون في جدية بالغة في سلامة القوة العقلية لترامب.
أخيراً كشفت الحملة الحالية ضد ترامب، أن كثيرين ما زالوا يراودهم الأمل في أن يصحو قادة الحزب الجمهوري من غفلتهم، ويصححوا خطأهم الكارثي بترشيحه. وفي رأيهم أن الوقت لم يفت بعد، وهناك فرصة لكي ينقذ الحزب نفسه. بل إن صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» تحدثت عن تحركات حقيقية لإزاحة ترامب. نظرياً قد يكون هذا ممكناً، ولكنه يعني تصدع الحزب من الداخل، وهي كارثة يبدو معها ترشيح ترامب بجنونه أهون الشرور.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"