الإرهاب واحد من الأقصى إلى نيوزيلندا

04:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
حافظ البرغوثي

غاب عن ذهن الكثيرين أن الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت الذي ارتكب مجزرتين في مسجدين بنيوزيلاندا يشبه الارهابي الاسترالي الآخر الذي ارتكب جريمة إحراق المسجد الأقصى سنة 1969 .فالاثنان استراليان وفي العمر نفسه أي 28 سنة يجمعهما كره المسلمين والإسلام، رغم أن دينيس مايكل روهان مرتكب جريمة المسجد الأقصى من اتباع الكنيسة الإنجيلية الصهيونية التي تحتل البيت الأبيض حاليا . أما الإرهابي الأسترالي في نيوزيلاندا ترانت فهو مشبع بالفكر العنصري الآري النازي الموروث من الفرنجة، ويؤمن بتفوق العنصر الأبيض ويكره الإسلام والمهاجرين المسلمين، وهي الأفكار نفسها التي يعبر عنها منظرو اليمين الأمريكي والأوروبي والأحزاب الشعبوية والرئيس الأمريكي ترامب وإجراءاته ضد المهاجرين المسلمين أولا والمهاجرين من أمريكا اللاتينية والمكسيك ثانيا ، رغم أن الأمريكيين اللاتينيين هم مهاجرون من أوروبا أيضاً مثلهم مثل ترامب وبيض أمريكا الجنوبية واستراليا ونيوزيلاندا حيث حلوا مكان السكان الأصليين بإبادتهم أو حشرهم في محميات مغلقة . فالإحلال العظيم الذي تحدث عنه الإرهابي تارانت في أوراقه وحذر من إحلال المسلمين في أوروبا بدلا من الأوروبيين هو ما فعله المهاجرون من أوروبا إلى الأمريكتين واستراليا وأبادوا السكان الأصليين..
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن أفكار إرهابي المسجدين لا تختلف عن الفكر الذي بشر به الفرنجة في حملاتهم ضد المشرق العربي وقتلوا في البلقان بيضاً من المسيحيين الأرثوذوكس ،والفكر النازي أيضا لأنه يؤيد قتل البيض حيث عبر في خواطره المكتوبة عن إعجابه بالإرهابي النرويجي اليميني بريفيك المتطرف والمعادي للإسلام الذي تنكر بزي ضابط شرطة في سنة 2011، وأطلق النار على شباب من حزب العمل الحاكم في معسكر في جزيرة أوتويا، في أوسلو ليقتل ما لا يقل عن 77 شخصاً، معظمهم من المراهقين، قبل أن يلقى القبض عليه. وأرسل بريفيك لنحو 5700 شخص بالبريد الإلكتروني، قبل ساعات من تنفيذ هجومه، بيانًا مؤلفًا من 1500 صفحة، أطلق عليه اسم «بيان الاستقلال الأوروبي». وهاجم فيه الماركسيين وحزب العمل النرويجي، وعبّر عن كراهيته للمسلمين معتبراً هجرتهم إلى أوروبا «تهديداً ثقافيا»، كما أوضح أنه استلهم جريمته من الإرهابي الأمريكي البولندي تيد كازينسكي، وهوعالم أمريكي من اصل بولندي اشتهر بالعبقرية العلمية لكنه انتكس وانعزل لعقد نفسية منها أنه لم يقم علاقة مع نساء في حياته ، وصار يرسل طرودا بريدية ملغومة ، فقتل ثلاثة أشخاص وشوه آخرين، وعبر عن أفكاره في مقال طويل نشرته «نيويورك تايمز»، وهددها بنسف طائرة إذا لم تنشره. وأدى المقال الذي يهاجم التكنولوجيا الحديثة التي تستعبد البشر إلى التعرف عليه واعتقاله وسجنه مدى الحياة حتى الآن حيث يبلغ من العمر 75 سنة .
ولعل الإرهابي تارانت مثل سابقيه وأكثر، حيث كتب أفكاره على الورق ونقل جريمته بالصورة عبر الفيديو و»الفيسبوك» وليس عبر الصحف والبريد الالكتروني فقط . الغريب أن إدارة «الفيسبوك» لم تنتبه للبث، بينما لو خرجت كلمة واحدة ضد الاحتلال «الإسرائيلي» يجري إغلاق الصفحة فوراً. فالفكر اليميني المتطرف متشابه سواء استند إلى الدين أو التعصب القومي . ويكفي للدلالة على ذلك أن الفكر اليميني الغربي الكاره للإسلام يتشابه مع فكر الجماعات الإرهابية التي تستتر بالإسلام وتكفر المسلمين وغيرهم .ولا يجد المتطرفون مثل الأمريكي البولندي تيد والنرويجي بريفك غضاضة في قتل أمثالهم من المسيحيين والبيض كما هو الجماعات الإسلامية المتطرفة، فالإرهاب هنا تعبير عن خلل فكري وعقلي لدى معتنقيه ، لكن بعض السياسيين كما هو حال بعض البرلمانيين الأستراليين الذين انتقدوا الهجرة إلى بلادهم بعد الهجوم على المسجدين .
إن ممارسات وتصريحات قادة في الإدارة الأمريكية تؤيد معاداة المهاجرين تشكل رافعة للإرهاب ، ويكفي إشادة الإرهابي تارانت بالرئيس ترامب ونقله لأفكار سبق لترامب أن غرد بها أو بالمعنى نفسه واعتباره رمزا له .
وفي المقارنة بين الإرهابي تارانت والإرهابي يوهان نجد إن الأخير كان يمثل الفكر الإنجيلي الصهيوني الذي تدفع الإدارة الأمريكية الحالية لتنفيذه في القدس المحتلة. وكان يوهان سباقا للاحتلال في ارتكاب مجزرتين في المسجد الأقصى سنة 1991 وسنة 2000 ومجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل .
كان روهان ينتمي لواحدة من الكنائس الإنجيلية المسيحية عُرفت باسم «كنيسة الرب العالمية»، وكان مواظبا على قراءة مجلتها المشهورة «الحقيقة الواضحة»، وكان روهان من أصحاب النزعات التي تؤمن بعودة المسيح، وأن شرط ذلك هو عودة «بني إسرائيل» إلى أرض فلسطين وبناء الهيكل المزعوم. وكانت هزيمة العرب في عدوان 1967 فرصة لبعث هذه الأفكار، حيث إنها تبشر بانتصار «إسرائيل»، وبالتالي قرب تحقق النبوءة بعودة المسيح المنتظر . ولكنه لم يتعامل مع هذه النبوءات من موقع المنتظر، بل فكر بأن يبادر هو ويساهم في تحقيقها، لذلك كان يردد أمام معارفه بأنه «مبعوث الرب» لهدم الأقصى، وبالتالي التحضير لبناء الهيكل المزعوم ، ومن ثم عودة المسيح ، وهو المبدأ نفسه الذي تعتنقه الجماعات الإرهابية اليهودية حاليا التي تخطط لتدمير الأقصى للتعجيل بقدوم المسيح وتحاول السيطرة على باب الرحمة في المسجد الأقصى بزعم أن المسيح المنتظر سيدخل منه ويبني الهيكل .
فالفكر المتطرف الذي يسمى يمينياً عندما يتعلق الأمر بالاعتداء على المسلمين، وإسلاميا عندما يتعلق الأمر باعتداء على مسيحيين أو يهود هو نفسه فكر متطرف لا له صلة بالأديان، لأن الجماعات الإرهابية المستترة بالدين قتلت من المسلمين أكثر من الأعداء.. بل ديدنها هو قتل المسلمين فقط ..فملة الإرهاب واحدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"