في ذكرى صدور دستور 2011 بالمغرب

05:14 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.إدريس لكريني

اتسم الإصلاح الدستوري في المغرب بالتدرّج بعد وضع أول دستور للبلاد عام 1962، حيث تم إقرار مجموعة من التعديلات عكست في مجملها طبيعة التحوّلات السياسية والاجتماعية التي شهدها المغرب منذ الاستقلال.
فقد شهد المغرب منذ الاستقلال مجموعة من التعديلات والمراجعات الدستورية، عكست موازين القوى والتحولات السياسية ضمن الصراع الذي ظلّ قائماً لعدة عقود بين المؤسسة الملكية من جهة، والمعارضة المتمثلة في الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية من جهة ثانية.
إن موضوع الإصلاح الدستوري والنقاشات المرتبطة به ليست جديدة ضمن المشهد السياسي المغربي، بل تشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن المغرب عرف إرهاصات فكرية إصلاحية مرتبطة بإقرار دستور منذ بداية القرن العشرين، ذلك أن علماء وأعياناً من مدينة فاس تقدموا بمشروع دستور للسلطان عبد الحفيظ بتاريخ 8 أكتوبر 1908 نشرت مضامينه في جريدة لسان المغرب التي كانت تصدر من مدينة طنجة آنذاك.
ظلّ موضوع الإصلاح الدستوري منذ الاستقلال فوقياً لعدة عقود، من حيث إشراف المؤسسة الملكية بمقتضى الدستور عليه، ما جعل هذه الأخيرة هي صاحبة المبادرة والسبق في هذا السياق.
ومع مطلع التسعينات من القرن الماضي ونتيجة للتحولات السياسية الداخلية في علاقتها بتنامي مطالب الأحزاب والفعاليات الحقوقية.. بإعمال إصلاحات تروم دعم مسار حقوق الإنسان وتعزيز الممارسة الديمقراطية.. من جهة أولى، وانسجاماً مع المتغيرات الدولية الكبرى في علاقة ذلك بنهاية الحرب الباردة وتزايد الاهتمام الدولي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة ثانية، حدث نوع من التوافق بين المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية، بما مهد لتعديلين دستوريين هامين الأول عام 1993 والثاني عام 1996، ورغم أهميتهما، فهما لم يؤثرا على الوضع السامي للمؤسسة الملكية كملكية تسود وتحكم. وهكذا أضحت آلية المذكرات وسيلة للتواصل بين المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية في العقود الأخيرة، ما أسهم في تجاوز حدّة التوتر والشك التي سادت بين الطرفين خلال مراحل سابقة.
كان للحراك الذي شهده المغرب مع ظهور حركة 20 فبراير عام 2011 أثر كبير في عودة موضوع الإصلاح الدستوري إلى واجهة النقاشات السياسية والأكاديمية..، كما أسهم في تقريب النقاشات الدستورية من المجتمع، بعدما ظلت في السابق نخبوية في عموميتها، كما كانت له انعكاسات إيجابية على الشكل الذي صدر به وعلى مضامينه (الدستور) أيضا.
حمل خطاب الملك محمد السادس بتاريخ 9 مارس عام 2011 وبعيد أسابع فقط من انطلاق الحراك الذي قادته الحركة، مجمل التوجّهات الإصلاحية التي سيعتمدها المغرب سياسياً ودستورياً في هذه المرحلة، ما أفرز قدراً من الارتياح في أوساط الكثير من الفعاليات السياسية والحقوقية والاجتماعية.
وفي خضمّ هذه التحولات المتسارعة، عيّن الملك لجنة من الخبراء لبلورة تصور يدعم الإصلاحات الدستورية عبر فتح نقاشات مع مختلف الفعاليات الحزبية والنقابية والمدنية والأكاديمية، وطلب منها رفع تقرير إليه في هذا السياق خلال شهر يونيو 2011.
تضمّنت الوثيقة الدستورية مجموعة من المقتضيات التي سعت إلى تعزيز الحقوق والحريات في أبعادها المختلفة، فعلاقة بتمكين المرأة ودعم حقوقها، تم التأكيد على أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وعلى إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
وتمّت «دسترة» مجموعة من التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة على مستوى دعم استقلالية القضاء وتجريم الاعتقال التعسفي أو السّري والإبادة والتعذيب والمعاملات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطّة بالكرامة الإنسانية.. كما تمت «دسترة» مجموعة من المؤسسات والمجالس المعنية بحقوق الإنسان، كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان..
احتفظ الملك بموجب الدستور الجديد بمجموعة من الصلاحيات الحيوية في المجال الديني والأمن وصلاحيات أخرى مرتبطة بالشأن التشريعي والقضائي والتنفيذي، وفي مقابل ذلك، تم تدعيم صلاحيات الحكومة والبرلمان ومؤسسة القضاء.. حيث سار التعديل نحو تقوية مهام رئيس الحكومة (الوزير الأول سابقاً)، وتعزيز صلاحيات البرلمان على مستوى التنصيب الحكومي والتشريعي، وأضحى البرلمان بغرفتيه هو المكلّف الرئيسي بمهمة التشريع، حيث تضاعفت مجالاته التشريعية من 30 إلى أكثر من 60 مجالا مع هذا الدستور.
وجاء هذا الأخير بمجموعة من المستجدات التي تسير باتجاه تبسيط مساطر الرقابة التي يمارسها البرلمان على العمل الحكومي، من حيث إحداث لجان تقصي الحقائق، كما تضمنت الوثيقة أيضا مجموعة من الصلاحيات الداعمة للمعارضة البرلمانية على مستوى المشاركة في لجان البرلمان وإعمال الرقابة على العمل الحكومي وسنّ التشريعات وممارسة الدبلوماسية البرلمانية..
وتضمنت الوثيقة الجديدة مجموعة من المستجدات التي تدعم استقلالية القضاء مالياً وإدارياً، فعلاوة عن استبدال مصطلح القضاء بالسلطة القضائية في الباب السابع منه، والتأكيد على استقلالية هذه السلطة عن باقي السلطات الأخرى (الفصل 107)، تم استبدال المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وإضافة إلى تعزيز الخيار الجهوي للمغرب، كسبيل لتحقيق التنمية والديمقراطية المحليتين، وفتح المجال أمام فعاليات المجتمع المدني لتعزيز هذا الخيار عبر المواكبة والمشاركة في بلورة السياسات العامة محلياً ووطنياً، اعتبر الدستور الأمازيغية لغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية، كما تمّ التأكيد على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ينطوي الإصلاح الدستوري لعام 2011 على أهمية كبرى بالنظر إلى المستجدات الهامة التي حملها، بالنظر إلى سمو الدستور وما يفرضه ذلك من تكييف للتشريعات والسياسات العمومية مع روحه، غير أن الكثير من المستجدات وعلى أهميتها طرحت نقاشات وإشكالات عند التنزيل.. ففيما اعتبرت بعض القوى المعارضة داخل البرلمان أن الحكومة لم تستوعب المستجدات الدستورية التي وسّعت من هامش تحركها، أكد بعض الباحثين أن المعارضة البرلمانية نفسها لم تستثمر بعض الإمكانات والفرص التي أتاحها الفصل العاشر من الدستور الجديد أمامها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"