حزب الشاي والانتخابات الأمريكية

03:04 صباحا
قراءة 4 دقائق

تعتبر انتفاضة الشاي في العام 1773 الفعل المؤسس للكفاح الأمريكي من أجل الاستقلال عن بريطانيا العظمى . لقد غدت حركة بوسطن تي بارتي مرجعاً تستند إليه معظم الحركات الاعتراضية في الولايات المتحدة منذ 16 كانون الاول/ديسمبر 1773 إلى اليوم . ففي ذلك اليوم قام حوالي 100 ناشط برمي 64 طناً من الشاي في البحر هي حمولة ثلاث سفن تجارية كانت راسية في ميناء بوسطن، وذلك احتجاجاً على قوانين سنّها برلمان لندن في حق المستعمرات البريطانية لاسيما قانون تي آكت الذي يخفّض الضرائب على شركة الهند الشرقية البريطانية ويزيدها على شعوب المستعمرات . هذه الانتفاضة العفوية كانت الشرارة التي أشعلت الثورة الأمريكية وأضحت تعرف باسم بوسطن تي بارتي .

في العام 2009 ظهرت في الساحة السياسية الأمريكية حركة سمّت نفسها تي بارتي تيمناً بالانتفاضة الشهيرة، وتذكيراً بحقبة من التاريخ الأمريكي تحظى بشعبية واحترام ويعتبرها كثيرون، من اليمين واليسار على حد سواء، مرجعية لفكرهم وإرثهم النضالي . لكن حزب الشاي هذا لا يمثل شريحة واحدة معينة من الشعب الأمريكي بل هو مزيج من كتل ثلاث: هناك الناشطون في القاعدة ثم وسائل الاعلام المحافظة جداً مثل فوكس نيوز، وأخيراً رجال أعمال يدافعون عن الحرية الكاملة للأسواق وعن تخفيض الضرائب وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي . الناشطون في القاعدة يأتون من شرائح اجتماعية محافظة تصوّت عادة للحزب الجمهوري، وتحديداً للجناح الأكثر راديكالية فيه . من وجهة النظر السوسيولوجية هؤلاء هم من البيض في العقد السادس من العمر، وما فوق ومن الذين يتمتعون بمستوى تعليم ومعيشة يزيد عن المعدل الوسطي العام . وبما أن معظمهم بات في التقاعد أو يكاد أو أنه يملك عمله الحر الخاص فإنهم غير معنيين بمشكلة البطالة المتفاقمة في هذه الأيام . لذا فإنهم ضد تدخل الدولة في الميدان الاقتصادي ويطالبون بخفض ملموس للضرائب، ويكرهون الحزب الديمقراطي وجنوحه الأيديولوجي إلى اليسار .

هذا لاينفي وجود ناشطين في تي بارتي فقراء ويستفيدون من تقديمات الدولة الاجتماعية والصحية، التي تكلفها الكثير من الأموال وتدفعها لفرض الضرائب، مثل الضمان الاجتماعي وضمان التقاعد والشيخوخة أو ميديكير (التأمين الصحي للمتقدمين في العمر) . ولا تناقض في ذلك مع أفكارهم إذ إنهم، كما يقولون، يستفيدون من نظام قائم قدموا له الكثير من الضرائب والرسوم عندما كانوا يعملون . لكنهم يقفون ضد المساعدات الغذائية والصحية والقروض للدراسات الجامعية . . الخ لأن هذه البرامج، في رأيهم، تقدم إلى أناس لا يعملون لاسيما إلى المهاجرين والأجانب ومعظمهم من أمريكا اللاتينية (ذوي بشرة ملونة) .

وهم يناصبون باراك أوباما العداء لأنه ديمقراطي أولاً، ولأنه سعى إلى سَنّ قوانين وتشريعات ذات صبغة اجتماعية يسارية، والأخطر من ذلك أنه ينحدر من أب أجنبي، وبالتحديد يحمل اسماً مسلماً . وهم يعتقدون أنه في انتخابات حيث الأمريكيون الحقيقيون فقط يحق لهم التصويت فإن حظوظ أوباما بالنجاح تساوي صفراً .

ورغم الضجة التي أثيرت حول حزب الشاي فإنه يحظى برضى 20 25% فقط من الأمريكيين وهي نسبة تتراجع يوماً بعد يوم . لكن نفوذه لا يرتبط بشعبيته بالضرورة، فقد نجح الى الآن في دفع الحزب الجمهوري نحو اليمين المتزمت لاسيما عندما انخرط بحماسة واضحة في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني ،2010 التشريعية التي لم تتخط فيها نسبة المشاركة أربعين في المائة من الأمريكيين الذين يحق لهم التصويت . وقد وصل عدد لا بأس به من مرشحي حزب الشاي إلى الكابيتول حيث راحوا يرفعون الصوت ويدفعون السلطة التشريعية في اتجاهاتهم المتطرفة . وقد ساهموا بفعالية في إجهاض إصلاحات أوباما الاجتماعية والمالية والصحية . وهم يستعدون للانتخابات الرئاسية المقبلة وسوف ينفقون فيها الكثير من الأموال ليس حباً بالمرشح الجمهوري ميت رومني، الذي لا يعتبرونه جديراً بالثقة (كانوا يدعمون هيرمان كين)، ولكن كرهاً بأوباما حيث سيعملون عبر وسائل إعلامهم على اقناع الناخبين الأمريكيين بأنه فشل في إحداث التغيير الذي وعد به . ويقول المحللون إن أوباما قد يخسر الانتخابات إذا تقاعس الناخبون الديمقراطيون، لاسيما الشباب منهم،عن التوجه إلى صناديق الاقتراع . هذا ما فعلوه في العام ،2010 ففتحوا أبواب الكابيتول أمام الجمهوريين . وإذا فاز الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة فمن المؤكد أنه، تحت تأثير حزب الشاي، سوف يقوم بأحداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية راديكالية .

وتجدر الإشارة إلى أن الجمهوريين المعتدلين يتراجعون شيئاً فشيئاً أمام تقدم الراديكاليين والمسيحيين المحافظين الذي ينسجم معهم حزب الشاي . وحتى في حال وجود جمهوريين معتدلين رافضين للتطرف فإنهم لا يتحركون بحماسة كما يفعل أنصار التشدد . وهكذا فإن قادة الحزب الجمهوري يخضعون لنفوذ الناشطين الذين يملكون الوسائل البشرية والمالية، ويجتمعون مع حزب الشاي في رفضهم لأوباما . وهذا الرفض سيجعلهم يتحلقون حول ميت رومني ولو أن حزب الشاي لا يحبه هو الآخر .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"