الخيار الوحيد الصالح.. لصالح

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
تتزايد الشواهد على خلافات متجددة في اليمن بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، من جهة، وبين جماعة الحوثيين بزعامة عبدالملك الحوثي.. آخر الشواهد هي الحملة التي شنها زعيم الحوثيين على من وصفهم بأنهم «يتآمرون ويعقدون الصفقات»، وهو ما وصفه مراقبون يمنيون، بينهم القيادي المنشق عن الحوثيين علي البخيتي، بأنه إعلان حرب على صالح وحزبه. فيما يستعد الطرفان في هذه الأثناء للقيام باستعراض قوة في العاصمة صنعاء، إذ يستعد حزب صالح لإقامة احتفال لحزبه يوم 24 أغسطس/آب الجاري، فيما أبدى الحوثيون استعدادهم لإقامة احتفال استعراضي موازٍ.. ولو من دون مناسبة.
وفي واقع الأمر، فإن علي صالح يرغب في رؤية نهاية، أو أفق سياسي لتحالفه مع الحوثيين، بتسهيل حل سياسي يضمن له حصة معتبرة في أية صيغة حكم مقبلة. بينما ينزع الحوثيون إلى مواصلة الحرب، والتشبث بما بقي لهم من مواقع، بما يكرس الأمر الواقع الانقلابي. وقد لا يكون مستغرباً أن تتحول الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة بين الفريقين بعد أن تباعدت بينهم المواقف، والرؤى، خاصة حيال ارتباطات الحوثيين الخارجية. بينما يبحث صالح عن تسوية عربية وخليجية في إطار وساطة الأمم المتحدة تحفظ له ماء الوجه، على أن الطرفين يتفاديان المواجهة حتى الآن، إذ يدركان أن التصعيد العسكري بينهما سيضعفهما معاً، وسيعجل بإنهاء الانقلاب، وانتصار حملة التحالف العربي العسكرية، ما يجعلهما يُبقيان على الحد الأدنى من التحالف غير المقدس بينهما، مع استمرار الحملات الإعلامية المتبادلة والتمايز السياسي بينهما.
على أن هذه «اللعبة» غير قابلة لأن تعمّر طويلاً. إذ يعمل كل من الطرفين لمصلحته الخاصة، فالحوثيون تستحوذ عليهم فكرة التمكين، والتغليب، والاستئثار، وفريق صالح يبحث له عن دور في مستقبل اليمن بعيداً عن سطوة الانقلابيين الذين لا يلقون قبولاً إلا في دوائر إقليمية وعربية ضيقة، بعد أن فقدوا ما كانوا يمتلكونه من نفوذ سياسي داخل اليمن، نتيجة نزعتهم الاستئثارية، وسعيهم المحموم للسيطرة على موارد البلاد، ومقدراتها، وإسكات كل رأي مخالف، والزج به في السجون. ولا يعني ذلك أن أوزار صالح وفريقه قليلة. فقد انقلب على المبادرة الخليجية، واختار التحالف مع طرف انقلابي، وسخّر قيادات الجيش الموالية له لتمكين الانقلابيين من بسط سيطرتهم على مؤسسات الدولة، ومرافقها، وبانقلابه على الشرعية خسر كل شرعية حزبية، وسياسية، ووطنية.

ورغم إدراك قدرة صالح على المناورة التي اكتسبها نتيجة حكمه الطويلة للبلاد، إلا أن الوضع الصعب في اليمن لا يسمح باتباع هذا الأسلوب في وضع شديد التأزم، ويحتاج إلى علاج سياسي ناجع يحتكم إلى القرارات الدولية، وإلى مخرجات الحوار الوطني الداخلي، ولحق اليمنيين في تقرير مصيرهم. وأقل ما يمكن أن يفعله الرجل لتصويب المسار بالغ الاعوجاج، هو أن يعلن انهاء تحالفه مع الانقلابيين، والتفرغ للعمل الحزبي والسياسي، والتوقف عن المشاركة في العمليات القتالية، مع احتفاظه بحق الدفاع عن النفس في مواجهة الانقلابيين.

إن من شأن الإعلان عن توجهات كهذه أن تعزل الانقلابيين، وتعجل الحل السياسي المرعي من طرف الأمم المتحدة، وتمنح الفرصة للمؤتمر الشعبي العام للمشاركة في مستقبل البلاد. ويدرك صالح بخبرته السياسية الطويلة، وبما تمليه تطورات الوضع على الأرض، أن هذه التوجهات هي وحدها ما تستحق الإصغاء إليها من طرف الشعب اليمني، كما من جانب أشقاء اليمن وأصدقائه. أما سياسة اللعب على الحبال، والتعبير عن مواقف متضاربة قابلة لتأويلات شتى، واغتنام الفرصة دائماً للقفز على السلطة من أي طريق أتت، وبأية صيغة جاءت، فتلك لا تعدو أن تكون انتهازية صارخة، لا تعكس مرونة، أو مهارة، بقدر ما تعكس تعطشاً للسلطة.
إن الخيارات تضيق أمام صالح وفريقه، وسط تقهقر الانقلابيين وانكسار شوكتهم، نتيجة انفضاض شرائح شعبية مُغرر بها عن طلاب السلطة، بعد أن تمت تجربة إدارة هؤلاء للحكم غير الشرعي، بطريقة بالغة العسف، ومهددة للنسيج الاجتماعي، ومستنزفة لما تبقى من موارد الدولة، ومتسببة بعزلة كاملة لليمن عن محيطه الخليجي والعربي والإسلامي، وحتى عن العالم الخارجي بأسره، باستثناء دوائر ضيقة ترتهن للأجندة الإقليمية نفسها. وكان على صالح أن يدرك ذلك منذ أمد بعيد، ويعمل بمقتضاه، بدل أن تستحوذ عليه شهوة الحكم، وتعمي بصيرته السياسية، وتزج البلاد في مغامرات عسكرية جنونية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"