لا تقتلوها

02:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد عبدالله البريكي
يقال إن الغيرة هي "أفكار وأحاسيس وتصرفات تحدث عندما يعتقد الشخص أن علاقته القوية بشخص ما تهدد من قبل طرف آخر منافس، وهذا الطرف الآخر قد يكون مدركاً أو غير مدرك أنه يشكل تهديداً" .
والغيرة محفزة على فعل ما قد يكون سلبياً أو إيجابياً بحسب الظرف وعقلانية ردة فعل الغيور على فعل غيره، وتتصاعد حدة الغيرة بتصاعد قوة وأثر القرب والمحبة، فالغيرة أوصلت يزيد بن معاوية كما ينسب إليه في قصيدة: "خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني"، أوصلته إلى الغيرة على المحبوبة من أبيها وأمها:
أغار عليها من أبيها وأمها
                ومن خطوة المسواك إن دار في الفمِ
ولكلٍّ ليلاه التي يغار عليها، لكن القصيدة الجميلة التي تستطيع الدخول إلى أحاسيس ونبضات البشر وتحرك دواخلهم، وتقترب يوماً بعد آخر من أنفاسهم وأناتهم وأوجاعهم وأفراحهم لتكون حبيبة قريبة أو تصل إلى الخلة، تكون غيرة المحبين لها كبيرة، والخوف عليها وعلى نقائها وتألقها يتصاعد .
الخوف على القصيدة من أن تشوه معالمها الجميلة، وتثار من حولها الضجة والصخب الذي يطفئ وهجها، ويجعل لحنها نشازاً بسبب تداخل ألحان كثيرة في فضائها النقي الجميل .
والمسابقات الشعرية التي تقام بين حين وآخر، وتنظم بين مؤسسة ثقافية وشعرية وأخرى، هي في الأساس هدف نبيل يخدم القصيدة، وتفتح أبواباً كثيرة للوصول إلى هذه الفاتنة، فالتنافس بين الشعراء على هذه المحبة يجعلهم يفجرون طاقات إبداعهم، ويجملون هيئة مشاركاتهم بكل عنصر فني مدهش، ويحاولون الإتيان بكل ما هو مبتكر وجديد، ليكون المهر فريداً غالياً، ولذلك تجد لسان حال المشارك في مسابقة ما وتعب على نصه ترتيباً وتهذيباً يقول كما قال أبو فراس الحمداني:
تهونُ علينا في المعالي نفوسُنا
                ومن يخطبِ الحسناءَ لم يُغلِهِ المهرُ
الشعراء الذين يتنافسون على حب القصيدة لا يتمنون أن تقتل بيد البعض، وتدفن الكلمة الجميلة حية بسيف الذين يدعون أنهم من محبيها، وأنها ليلاهم التي يحافظون عليها وعلى ألقها الجميل، لكنهم كما قال الأول:
وكل يدعي وصلاً بليلى
                  وليلى لا تقر لهم بذاكا
والمواصفات أو المعايير الجمالية لا تخفى على الكثير، لكن تقدير الجمال يحتاج إلى حس جميل، وإلى نية صافية، وإلى ضمير حي، وإلى مصداقية عالية، لأن الخلل في هذا الجانب الأخلاقي هو معول هدمٍ للجمال، وهو السبب في ظهور مدائن القبح، ولذلك تبدأ بعض المسابقات الخاصة بالشعر أو غيرها جميلة رائعة مدهشة، ثم تبدأ في الانحدار من الدورات التي تليها، وربما يعود هذا الأمر إلى التراجع في الجانب الأخلاقي لدى من يقرر مصائر أولئك المحبين لهذه الفاتنة الجميلة، وتحل بدلاً عنها في المرات القادمة نماذج تفتقر إلى الروعة والدهشة .
دعوا مجانين القصيدة يمارسون شغبهم الجميل، ويقبلون بتحفز من أجل أن يصلوا إلى قلب من أسرتهم بحسنها وروعتها ورقتها، فالشعر الجميل كالمطر الذي يغسل غبار الأيام، ويزيل ترسبات الأوجاع، كما قال يزيد أيضاً في قصيدته تلك:
ولا تقتلوها إن ظفرتم بقتلها
              ولكن سلوها كيف حل لها دمي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"