سعي أمريكي لاجتذاب لندن

03:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

بينما يستمر الانقسام الشعبي في بريطانيا حيال الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي أقرّ مع نهاية اليوم الأخير من يناير/كانون الثاني الماضي، فإن الولايات المتحدة على الشاطئ الآخر للأطلسي، بدت أكثر الأطراف الدولية ابتهاجاً بهذا الخروج. ولم يتردد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من الإعلان عن البهجة قائلاً لصحيفة «ديلي تليجراف»: «الشعب البريطاني أراد الخروج من طغيان بروكسل... لقد أرادوا أن يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. هذا ما نريده للشعب البريطاني أيضاً». وتنظر الولايات المتحدة في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب للاتحاد الأوروبي على أنه طرف منافس، ويبالغ في استقلاله عنها بخصوص مسائل كثيرة؛ منها: التغيير المناخي؛ والاتفاق النووي مع إيران، وصولاً إلى الرعاية الصحية، ومعايير الغذاء والبيئة. ولطالما أبدى ترامب حماسته لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد القاري، فيما اعتبر في لندن بأنه مظهر من مظاهر التدخل في شؤون بريطانية داخلية.
وتتجه الأنظار حالياً لترقب استئناف مباحثات أمريكية بريطانية، بشأن توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين لندن وواشنطن، وهو ما كان من غير الممكن سابقاً في ظل انضواء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وقد زار الوزير الأمريكي بومبيو لندن لهذا الغرض يوم الخميس الماضي، والتقى مع رئيس الوزراء بوريس جونسون. ومن الملاحظ أن هذه القضية تستحوذ على الاهتمام الأمريكي، بما يفوق الاهتمام بالتطورات المحتملة على الموقف البريطاني من الاتفاق النووي الإيراني؛ وذلك باحتساب أن تقريب لندن من الموقف الأمريكي الرافض للاتفاق، يظل أقل صعوبة من التقدم لتوقيع اتفاق تجارة حرة؛ إذ إن اتفاقاً كهذا يمس شرائح واسعة من المجتمع؛ تشمل: قطاعات التجارة والزراعة والبيئة والصناعة. ويبدو جونسون متحمساً لاتفاق كهذا، تطبيقاً لسياسته الرامية إلى توسيع اتفاقات تجارة مع دول عدة في العالم؛ وذلك بالاعتماد على متانة الاقتصاد البريطاني في سائر المجالات، وقوته التصديرية التنافسية، بما في ذلك إلى الولايات المتحدة. وفي هذه الآونة تنظر الولايات المتحدة بحذر إلى الاتفاقات التفصيلية؛ موضع التفاوض بين لندن وبروكسل، ويكاد الموقف الأمريكي يصل إلى التنبيه بألا ينعكس أي اتفاق سلباً على آفاق التعاون التجاري بين واشنطن ولندن، مع ضرورة منح العلاقات البريطانية مع الولايات المتحدة الأولوية والصدارة.
ويزيد حجم التبادل التجاري بين البلدين على 200 مليار دولار في العام مع أرجحية أمريكية في هذا التبادل. بينما تزيد الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين على تريليون دولار. فيما تميل التقديرات إلى أن إبرام هذا الاتفاق قد يستغرق التوصل إليه نحو عامين. فالأمر لا يتعلق بمجرد تفاهمات استراتيجية؛ بل بمصالح آلاف الشركات على الجانبين، ومصلحة ملايين المستهلكين على الجانبين، وبالنسبة للود البالغ الذي يمحضه ترامب لجونسون فإنه قد لا يعوّل عليه كثيراً حين يتصل الأمر باتفاقات تجارية، علماً أن حساسية ترامب المُفرطة للمال لا يرقى إليها أي شك. فيما تبرز فجوة بين الجانبين تجاه كل ما يتعلق بالبيئة وسلامة الغذاء وجودته، فضلاً عن خلافات حول دور الدولة في مجال الرعاية الاجتماعية، وهو ما يعترض الرئيس ترامب على وجوده لدى زملائه الرأسماليين البريطانيين في حزب المحافظين. إضافة إلى الدور الذي ما زالت تلعبه النقابات في بريطانيا في حفظ حقوق أعضائها، ومدى تأثيرها على صانعي القرارات في 10 دواننغ ستريت.
وقصارى القول، إن التقارب السياسي والاستراتيجي سوف يزداد بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقب خروجها الرسمي من الاتحاد الأوروبي. وفي ظل التناغم القائم بين جونسون وترامب، ويذكر هنا أن ثمة شراكة مؤسسية بين الجانبين في مجال الاتصالات، والاستخبارات علاوة على شراكة الناتو. وخاض البلدان معاً، حروباً ومواجهات في العراق وكوريا والكويت وليبيا وسوريا وأفغانستان ودول أخرى. ويعد التحالف بين البلدين من أوثق التحالفات الدولية منذ النصف الثاني من القرن العشرين حتى أيام الناس هذه. إلا أن التعاون السياسي والعسكري والأمني غير قابل للاستنساخ في المجالات الاقتصادية والتجارية بصورة أوتوماتيكية. فديدن التجارة هو التنافس والتسابق على الأسواق، وتعظيم الأرباح، وإضعاف المنافسين، وهو ما ينطبق على الشريكين الأكثر تقدماً في العالم الصناعي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"