الجُعبة لا تفرغ من العبث!

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

في أعقاب الاجتماع الأخير للمجلس المركزي الفلسطيني في رام الله (13 يناير/كانون الثاني الجاري)، وما أسفرت عنه الاجتماع من نتائج، ثارت حملة واسعة وساخطة في أوساط حكومة بنيامين نتنياهو على ما جرى، وتركزت المواقف على بيان المجلس، وعلى خطاب الرئيس محمود عباس، وهو أمر كان متوقعاً، فالاحتلال يبحث عن كل الفرص لإضعاف الموقف الفلسطيني وتحميله مسؤولية توقف المفاوضات.
يسترعي الانتباه أن هذه الحملات المحمومة والمستمرة، قد تزامنت مع بدء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس جولته التي شملت القاهرة وعمّان و«تل أبيب»، فيما أبدت السلطة في رام الله رفضها لقاء بنس، وقد عمد الرئيس عباس إلى ترتيب لقاءات له في بروكسل مع المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي، تزامناً مع زيارة بنس. ومن الواضح أن الحملات الموتورة في «تل أبيب» تستند في الأساس إضافة إلى الموقف العنصري الثابت، إلى جديد المواقف الأمريكية التي تتماهى إلى درجة التطابق مع مواقف أقصى اليمين «الإسرائيلي». وقد ألقى بنس خطاباً أمام الكنيست (22 يناير الجاري) وصفته الأوساط الفلسطينية بأنه «خطاب توراتي» وليس خطاباً سياسياً، وقد جاءت زيارة الرجل إلى حائط البراق وما تخللها من طقوس دينية، لتثير الانطباع بأن زيارته كانت بالفعل ذات طابع ديني لا سياسي؛ وذلك بالنظر إلى المواقف التي أعلنها، واستناداً إلى انتمائه إلى كنيسة إنجيلية في بلاده تجيز الاستيلاء «الإسرائيلي» على القدس العربية وتباركه!.
في هذه الأجواء تتزايد التلميحات التي يستهدف أصحابها الرئيس عباس، من قبيل قول صحيفة «إسرائيل اليوم» المقرّبة من نتنياهو إن «عباس يحفر لنفسه القبر» ومن قبيل قول وزير الحرب افيغدور ليبرمان، إن عباس «فاقد للشرعية ويمارس إرهاباً سياسياً»، إلى قول وزير التعليم نفتالي تبنيت مؤخراً بأن «على «إسرائيل» أن تفكر باليوم التالي لعباس». سواء كان ما يتفوّه به وزراء ومسؤولون في حكومة بنيامين نتياهو، هو من قبيل الضغط والترهيب، أو أنه يعكس نوايا مبيتة لاستهداف الرجل، فالواضح أن حكومة «تل أبيب» بمواقفها هذه ماضية في نهجها العدواني، الذي يتخذ أكثر فأكثر منحىً جامحاً لا يُلقي بالاً للاعتراضات الدولية ولا لقرارات الشرعية ولا لتقارير المنظمات الإنسانية والحقوقية. وهو ما يثير محاذير بأن يكون عتاة اليمين الحاكم بصدد استهداف الرجل في تكرار لسابقة استهداف الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي سبق أن نُظر إليه في «تل أبيب» كعقبة في وجه السلام «الإسرائيلي».
في جميع الأحوال فإن واشنطن و«تل أبيب» تلتقيان في هذه الآونة، على توجيه الضغوط الشديدة نحو السلطة الوطنية، وعلى «شيطنة عباس» منذ أن تم الإعلان عن الرفض القاطع لتسمية القدس العربية عاصمة للاحتلال، وللرفض الفلسطيني لأية مبادرة أو خطة أمريكية تشتمل على الموقف الجديد بخصوص القدس.
يتجاهل قصيرو النظر في واشنطن أنهم لن يجدوا في الجانب الفلسطيني من يقف في صف الاعتدال؛ بل ومن يذهب بعيداً في اعتداله كما وجدوا في عباس، وأن أي استهداف للرجل سوف يفرز قيادة أكثر حزماً، وأشد تصلباً، وأن «صفقة القرن»، التي كثر الحديث عنها، لن تجد من يرتضي بها، في حال انطوت على مخالفة للقرارات الدولية، أو إذا ما هدفت إلى إنشاء دولة تحت الاحتلال وفاقدة لمقومات السيادة. فأية دولة لا تستحق وصفها بدولة، حين تفتقد إلى ركيزة الاستقلال، وإلى الولاية الفعلية على الأرض والموارد الطبيعية والحدود والأجواء.
ومن أغرب ما يُنسب لأوساط أمريكية، أن «صفقة القرن» هي للتطبيق وليست للتفاوض، وأكثر من ذلك أن القدس خارج التفاوض كما تحدث ترامب مؤخراً في منتدى «دافوس»، هذا في وقت لا تكف فيه واشنطن عن الحديث للحاجة إلى استئناف التفاوض!؛ وذلك على غرار القول إن واشنطن لم تحسم موقفها بعد بشأن الوضع النهائي، بينما تقوم بتسمية القدس عاصمة للاحتلال بما يمثل هدية سخيّة للتطرف. وفي النتيجة فقد تكرّمت واشنطن بإضفاء المزيد من التعقيد على العملية السلمية، والمزيد من العبث بهذه العملية، وفتحت الباب أمام توترات خطرة يعلم الله مداها، وإلى أين ستُفضي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"