الدَّعم المطلوب

01:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

قضية اغتيال الشهيد المقاوم الفلسطيني المبحوح في مدينة دبي يجب أن تنتقل من مستواها الحالي، كقضية تهتمُّ بها الأجهزة الأمنية في دبي في الدرجة الأولى وتتابع تداعياتها الأجهزة الرسمية في دولة الإمارات العربية الشقيقة في درجة ثانية، إلى مستوى دول مجلس التعاون كافة، وبنفس الجديَّة والمسؤولية من قبل الجميع .

لماذا؟ لأسباب عدَّة بالغة التعقيد والترابط .

* أولاً، لأن جهاز الموساد الصهيوني ذا التاريخ الإرهابي، والمعتبر نجمة فوق صدر الكيان الصهيوني منذ نشوئه، لديه إمكانات فعل ومواجهة هائلة . فمن خلال الكيان الصهيوني، الذي بنى عبر السنين تحالفات استراتيجية مع العديد من دول العالم الأساسية، لدى الموساد اتفاقات تبادل خدمات ومصالح مع الكثير من الأجهزة الأمنية لتلك الدول . وهو قادر على المساومة مع تلك الأجهزة للحصول على دعمها لنشاطاته في كل دول العالم ومن بينها الدول الخليجية . كما أن جميع المنظمات الصهيونية وكل أعضاء تلك المنظمات تعتبر الموساد جهازاً لخدمة أغراضها وبالتالي يستحق دعمها المادي والمعنوي والإعلامي .

من هنا الخطر العظيم الذي يمكن أن ينتج عن ترك دبي والإمارات العربية المتحدة يواجهان ذلك الأخطبوط الدولي، المتعدّد الرؤوس، المختفي تحت أقنعة المناصرين للصهيونية بألف صورة وصورة، القادر على استعمال كل الأفراد الصهاينة اليهود الحاملين لجوازات سفر متعددة، بل والمخترق لبعض الأجهزة الأمنية العربية من خلال تعاونهما المشترك مع أجهزة أمنية أمريكية وأوروبية .

* ثانياً: من خلال الصورة السابقة، التي تبرز سعة اتصالات الموساد وتعقدها وضخامة الأموال والمؤسسات الصهيونية التي تدعم أنشطته، يستطيع الإنسان تصور إمكانات تجنيد هذا الجهاز الصهيوني لألوف الأجانب المقيمين في دول مجلس التعاون، وإعدادهم في شكل خلايا تجسسية وتخريبية، وإدخال تلك الخلايا في جسم المجتمع المدني الخليجي في كافة أقطاره .

وهي خلايا يمكن استعمالها في خلق الفتن والصراعات العمالية والقلق الاقتصادي، بل وفي ارتكاب المزيد من الاغتيالات لأفراد وطنيين وأجانب .

* ثالثاً: إن اقتصاد دبي والإمارات العربية، بل وكل اقتصادات دول مجلس التعاون، مرتبط أشد الارتباط بالاقتصاد العولمي، ولما كان النفوذ الصهيوني بالغ الكبر في المؤسسات العولمية الاقتصادية والمالية والصناعية وإعلام السوق الاستهلاكي،، فإن ردَّ الموساد يمكن ان يستهدف هذا الجانب أو ذاك الجانب من اقتصاد هذه الدولة أو تلك كرد على محاولات تحجيم نشاطاته في هذه المدينة الخليجية أو تلك .

* رابعاً: كنا في يوم من الأيام نعتقد أن لا وجود للنفوذ الصهيوني في مجتمعاتنا الخليجية . لكننا نعرف اليوم أن ذلك الانطباع ليس له محل في الواقع الخليجي، فهناك أفراد، وهناك مؤسسات، وهناك مسؤولون، وهناك وسائل إعلام لا تتردد في التعاطف مع المشروع الصهيوني، وحليفه الأمريكي، بصور علنية أو خفية شيطانية أو غير مباشرة . هؤلاء النفعيون، الانتهازيون، الذين فقدوا أي التزام قومي أو وطني أو إسلامي، يشكلون بعداً استراتيجياً ثقافياً وسياسياً وإعلامياً للمشروع الصهيوني الأمريكي، وبالتالي بعداً نافعاً للجهاز الأمني الصهيوني .

* خامساً، ازاء كل المعطيات السابقة يحتاج مجلس التعاون لأن يرفع مستوى مواضيع التأشيرات ومتابعة الأجانب في نشاطاتهم وإقاماتهم وعلاقاتهم بالداخل والخارج، والسياسات القانونية التي تحكم كل ذلك، يرفعه من المستوى الوطني إلى المستوى الإقليمي الخليجي في حده الأدنى، وذلك تمهيداً لرفعه للمستوى القومي في المستقبل . لم يعد من الجائز على الإطلاق وجود أنظمة تأشيرات وإقامة مختلفة ومتناقضة في دول المجلس، ولا وجود قوائم لدول يعفى مواطنوها من الحصول على التأشيرات أو الإقامة بشكل متباين في دول مجلس التعاون . لقد أثبتت حادثة الاغتيال في دبي إمكان أن تكون هذه الدولة الخليجية أو تلك خاصرة رخوة لأمن بقية الدول في مجلس التعاون .

وعلى الذين سيقبلون بأن تذهب دبي أو الإمارات وحدها في محاربة الإرهاب الصهيوني الحقير الدموي، بينما ينعمون هم بالراحة ويغطون في نومهم العميق، عليهم أن يقرأوا تاريخ الموساد الأسود، ومن ورائه تاريخ الوحل الصهيوني، ليعرفوا أن مواجهتهما لن تنجح إلا على مستوى مجلس التعاون كحد أدنى، وتكون مواجهة أمنية وسياسية وثقافية وإعلامية واقتصادية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"