عادي
دعا إلى تعزيز الجهود المتعددة الأطراف للحد من التوترات الجغرافية-السياسية

«صندوق النقد»: النظام المالي يواجه ضغوطاً كبيرة نتيجة التضخم ورفع الفائدة

15:18 مساء
قراءة 13 دقيقة
مقر صندوق النقد الدولي

دبي: خالد موسى
شدد صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير في أحدث تقرير حول «الاستقرار المالي العالمي» تحت عنوان: «نظام مالي في مواجهة ضغوط ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة»، الذي أصدره على هامش إجتماعات الربيع في واشنطن، على أن «النظام المالي يواجه ضغوطاً في الوقت الحالي نتيجة ارتفاع التضخم وتزايد أسعار الفائدة، في الوقت الذي لا يزال فيه التضخم مرتفعاً بشدة عن المعدلات التي تستهدفها البنوك المركزية في العديد من البلدان»، مشيراً الى أن «الضغوط الناشئة في الأسواق المالية تؤدي إلى تعقيد مهمة البنوك المركزية».
وأوصى الصندوق بـ«ضرورة توفير الأدوات الهادفة إلى معالجة المخاطر المهددة للاستقرار المالي، لمساعدة البنوك المركزية في الفصل بين أهداف السياسة النقدية وأهداف الاستقرار المالي، وتمكينها من مواصلة تشديد السياسات للتصدي للضغوط التضخمية».
ودعا إلى «تعزيز الجهود المتعددة الأطراف للحد من التوترات الجغرافية-السياسية والتشتت الاقتصادي والمالي، نظراً للمخاطر الجسيمة على الاستقرار المالي الكلي العالمي».


  • النظام المالي يواجه ضغوطاً نتيجة ارتفاع التضخم وتزايد أسعار الفائدة
  • الضغوط الناشئة في الأسواق المالية تؤدي إلى تعقيد مهمة البنوك المركزية
  • توفير الأدوات الهادفة إلى معالجة المخاطر المهددة للاستقرار المالي
  • بنوك الأسواق الصاعدة تجنبت وقوع أي خسائر فادحة في محافظ أوراقها المالية
  • البنوك بدأت في تقليص حجم ميزانياتها العمومية لتعود الأوضاع إلى نصابها

  • تصاعد المخاطر

وأشار الصندوق في تقريره إلى أن «المخاطر المهددة للاستقرار المالي سرعان ما تصاعدت منذ صدور عدد أكتوبر/ تشرين الأول 2022 من تقرير الاستقرار المالي العالمي في ظل الضغوط التي وضعت صلابة النظام المالي العالمي أمام اختبارات عسيرة»، لافتاً إلى أن «في أعقاب الأزمة المالية العالمية، اتجه المشاركون في السوق إلى زيادة انكشافاتهم تجاه مخاطر السيولة والمدة والائتمان في ظل الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة وتراجع التقلبات ووفرة السيولة، واعتمدوا على الرفع المالي غالباً لزيادة عائداتهم. ونتجت عن مواطن الضعف تلك مخاطر حادة ومستمرة على الاستقرار المالي حسبما أشارت الأعداد السابقة من تقرير الاستقرار المالي العالمي».
وشدد الصندوق على أن «السقوط السقوط المفاجئ لبنك سيليكون فالي وبنك سيغنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية، وفقدان الثقة السوقية في بنك كريدي سويس، وهو من البنوك المؤثرة على النظام العالمي في أوروبا، كانا بمثابة تذكرة قوية بالتحديات الناجمة عن التفاعل بين تشديد الأوضاع النقدية والمالية وتراكم مواطن الضعف».
وأضاف: «وما كان يبدو في البداية كأحداث متفرقة في القطاع المصرفي الأمريك، بات أكثر فداحة بفعل التكنولوجيات الجديدة والإنتشار السريع للمعلومات عبر وسائل التواصل االجتماعي، لتنتقل التداعيات إلى البنوك والأسواق المالية عبر أنحاء العالم مسببة موجة بيع واسعة لأصول عالية المخاطر وأدى ذلك أيضاً إلى تغير كبير في تسعير توقعات أسعار فائدة السياسة النقدية يعادل في حدته ونطاقه أحداث الاثنين الأسود عام 1987».

  • الاستجابة بقوة لكبح المخاطر التنظيمية

ولفت الصندوق في تقريره إلى أن «صناع السياسات استجابوا بقوة لكبح المخاطر النظامية، مما ساهم في انحسار مشاعر القلق التي اجتاحت الأسواق. ففي الولايات المتحدة، اتخذت أجهزة التنظيم المصرفي خطوات لضمان الودائع غير المؤمن عليها لدى المؤسستين المعسرتين وتوفير سيولة إضافية من خلال برنامج تمويل مصرفي جديد محدد الأجل. وفي سويسرا، قدم البنك الوطني السويسري مساعدات سيولة طارئة لدعم بنك كريدي سويس الذي استحوذ عليه لاحقاً بنك الاتحاد السويسري بدعم من الدولة. لكن معنويات السوق لا تزال هشة والضغوط جلية عبر عدد من المؤسسات والأسواق، في الوقت الذي يعيد فيه المستثمرون تقييم سلامة أسس النظام المالي».
وأضاف الصندوق: «السؤال الأساسي الذي يواجه المشاركين في السوق وصناع السياسات، هو ما إذا كانت الأحداث الأخيرة تنذر بالمزيد من الضغوط النظامية التي ستختبر صلابة النظام المالي العالمي، كما يفعل عصفور الكناري في منجم الفحم، أم أنها مجرد انعكاس فردي للتحديات الناجمة عن تشديد الأوضاع النقدية والمالية بعد أكثر من عشرة أعوام من وفرة السيولة. ورغم أن التعديلات التنظيمية التي تم تنفيذها منذ الأزمة المالية العالمية، لا سيما في البنوك الكبرى، ساهمت دون شك في تعزيزصلابة النظام المالي بوجه عام، لا تزلل هناك مخاوف بشأن مواطن الضعف التي ربما تتوارى داخل البنوك وجهات الوساطة المالية غير المصرفية على حد سواء».
وتابع: «في الولايات المتحدة، أدت مخاوف المستثمرين إزاء الخسائر الناتجة عن حساسية الأصول تجاه تغيرات أسعار الفائدة إلى بيع أسهم البنوك، لا سيما البنوك التي تمتلك قواعد مركزة من الودائع وتواجه خسائر كبيرة نتيجة التقييم بسعر السوق. وفي أوروبا، وقع التأثير الأكبر على البنوك التي تتداول أسهمها بخصومات كبيرة عن قيمتها الدفترية، لوجود مخاوف طويلة الأجل إزاء ربحيتها وقدرتها على تعبئة رأس المال».
وتابع التقرير: «يبدو أن بنوك الأسواق الصاعدة تجنبت حتى الآن وقوع أي خسائر فادحة في محافظ أوراقها المالية، بينما استقرت مستويات التمويل بالودائع».

  • الخسائر غير المتحققة في المحافظ

وبحسب تقديرات خبراء صندوق النقد الدولي، فإن «تأثير الخسائر غير المتحققة في المحافظ المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق على النسب التنظيمية، سيكون محدوداً على الأرجح في وسيط بنوك أوروبا واليابان والأسواق الصاعدة، وحاداً في بعض البنوك الأخرى. ومع ذلك، فإن التغطية التأمينية على الودائع محدودة في بلدان عديدة، فضلاً عن تدني الجودة الائتمانية للأصول في بنوك الأسواق الصاعدة عموماً مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. علاوة على ذلك، تضطلع بنوك الأسواق الصاعدة غالباً، بدور أكبر في النظام المالي مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، وبالتالي فإن تداعيات ضعف القطاع المصرفي قد تكون أكثر حدة».
وتُذكر هذه الأحداث بأن «التمويل سرعان ما قد يتلاشى حال شيوع فقدان الثقة». ومع تحول أنماط الودائع عبر المؤسسات المختلفة، يمكن أن ترتفع تكلفة التمويل في البنوك، مما قد يحد من قدرتها على توفير الائتمان للاقتصاد. وتنطبق هذه المخاوف على البنوك الإقليمية الأمريكية تحديداً. ففي ظل الانخفاض الأخير في أسعار أسهم البنوك، يمكن أن تتراجع القدرة الإقراضية للبنوك الأمريكية بحوالي 1% في العام القادم، مما يؤدي إلى انخفاض قدره 44 نقطة أساس في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، بافتراض تساوي جميع العوامل الأخرى، بحسب الصندوق.

  • التحديات القادمة

وفي شأن التحديات القادمة، يُظهر التقرير أن «الضغوط الناشئة في الأسواق المالية تؤدي إلى تعقيد مهمة البنوك المركزية في الوقت الذي تأكد فيه أن الضغوط التضخمية أطول أجلاً مما كان متوقعاً»، لافتاً إلى أن «قبل نوبات الضغوط الأخيرة، سجلت أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة ارتفاعاً حاداً، وكانت أكثر اتساقاً مع ما أعلنت عنه البنوك المركزية، من ضرورة مواصلة تشديد السياسة النقدية لفترة أطول».
وأضاف: «منذ ذلك الحين، حدث تراجع حاد في تسعير المستثمرين لمسار السياسة النقدية المتوقع في الاقتصادات المتقدمة. ويتوقع المستثمرون حالياً أن تبدأ البنوك المركزية في تيسير السياسة النقدية في وقت مبكر للغاية عما كان متوقعاً. غير أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشدة عن مستواه المستهدف».
وتابع التقرير: «وبعد أن سجلت البنوك المركزية زيادة كبيرة في حيازات الأوراق المالية خلال الجائحة، بدأت حالياً في تقليص حجم ميزانياتها العمومية لتعود الأوضاع إلى نصابها الطبيعي. غير أن ذلك قد يفرض تحديات أمام أسواق الدين السيادي في هذا الوقت الذي يشهد تراجعاً في السيولة بوجه عام، وارتفاعاً في مستوى الديون، وسيتعين فيه على مستثمري القطاع الخاص استيعاب العرض الإضافي من الدين السيادي».
وأوضح أن «في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يُتوقع ارتفاع صافي إصدارات سندات الخزانة الأمريكية في عامي 2023 و2024، بينما يساهم التشديد الكمي في تقليص حصة الميزانية العمومية للاحتياطي الفيد رالي من هذه الإصدارات».
تفاقم تداعيات تشديد الأوضاع النقدية
وشدد التقريرعلى أن «تداعيات تشديد الأوضاع النقدية والمالية يمكن أن تتفاقم بفعل الرفع المالي، وعدم اتساق تدفقات السيولة من الأصول والخصوم، وارتفاع درجة الترابط داخل قطاع جهات الوساطة المالية غير المصرفية ومع المؤسسات المصرفية التقليدية. فعلى سبيل المثال، ضاعفت شركات التأمين على الحياة من حجم استثماراتها غير
السائلة على مدار العقد الماضي لزيادة عائداتها، كما اعتمدت على المزيد من الرفع المالي لتمويل الأصول غير السائلة».
ولفت إلى أن «الأسواق الصاعدة الكبرى نجحت حتى الآن، في إدارة التشديد الحاد للسياسات النقدية في الاقتصادات المتقدمة بسالسة نسبياً، وهو ما يرجع جزئيا إلى أن تشديد السياسة النقدية العالمية لم ينعكس تماماً على الأوضاع المالية العالمية. غير أنها قد تواجه تحديات ملموسة إذا استمرت الضغوط الحالية في الأسواق المالية مسببة تراجعاً في مستويات الإقبال على المخاطر عالمياً وما يقترن بها من تدفقات رأسمالية خارجة».
ورأى الصندوق أن «تدهور مقاييس استدامة القدرة على تحمل الدين السيادي يتواصل في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في البلدان الواعدة والمنخفضة الدخل، وتواجه العديد من البلدان الأكثر ضعفاً ضغوطاً حادة بالفعل. ففي الوقت الحالي، تعكس فروق العائد تعثر 12 سنداً سياديا متداولاً، كما تجاوزت 700 نقطة أساس على 20 سنداً إضافياً.
وقد شكلت هذه المستويات في السابق تحدياً كبيراً أمام النفاذ إلى الأسواق».

  • إصدارات الدين

أما في الأسواق الواعدة، بحسب الصندوق، فقد توقفت إصدارات الدين الضخمة في عام 2021، وقد لا تعود بنفس القوة بسبب التحديات الجارية نتيجة حالات التعثر في سداد الدين السيادي ومواطن الضعف الكلية، وقد تأثرت البلدان المنخفضة الدخل إلى حد كبير بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ويمكنها بالكاد الحصول على التمويل السوقي. ولا تزال أوضاع الدين بالغة الصعوبة في هذه البلدان، حيث أصبح أكثر من النصف 37 (من 69 بلداً) إما في حالة مديونية حرجة بالفعل أو معرضاً لمخاطر كبيرة تهدد ببلوغها.
وبخالف المؤسسات المالية، تمكنت الأسر من مراكمة مدخرات كبيرة بفضل الدعم المقدم من المالية العامة، والتيسير النقدي خلال الجائحة. غير أنها تواجه المزيد من أعباء خدمة الدين، مما يؤدي إلى تآكل مدخراتها ويجعلها أكثر عرضة للتعثر. وأدى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة على قروض العقارات السكنية إلى تقليص الطلب العالمي على المساكن. وتراجع متوسط أسعار المساكن 60% في عدد من الأسواق الصاعدة في النصف الثاني من عام 2022، بينما تباطأت الزيادات السعرية في الاقتصادات المتقدمة. وفي الاقتصادات حيث تشكل القروض ذات أسعار الفائدة المتغيرة النسبة الأكبر من الإقراض العقاري، سجلت الأسعار الحقيقية الانخفاض الأكبر على الإطلاق. ولا تزال التقييمات مفرطة في العديد من البلدان، مما يزيد من خطر التصحيحات السعرية الحادة في حالة ارتفاع أسعار الفائدة سريعا.

  • أوضاع سوق العقارات التجارية

وبحسب التقرير، تتزايد المخاوف إزاء أوضاع سوق العقارات التجارية الذي واجه ضغوطاً نتيجة تدهور أسس الاقتصاد وارتفاع تكلفة التمويل. ففي الولايات المتحدة، تمثل مجموعة من البنوك التي يقل مجموع أصولها عن 250 مليار دولار أمريكي، حوالي ثالثة أرباع الإقراض المصرفي في سوق العقارات التجارية، وبالتالي قد يؤدي تدهور جودة الأصول إلى تداعيات حادة على ربحيتها وحجم الإقبال على الإق راض المصرفي. وعلاوة على ذلك، تضطلع جهات الوساطة غير المصرفية بدور مهم في قطاع صناديق الاستثمار العقاري وأسواق الأوراق المالية المضمونة برهون تجارية، وبالتالي تنشأ انعكاسات أوسع نطاقاً نتيجة الضغوط في سوق العقارات التجارية، سواء على الاستقرار المالي أو النمو الاقتصادي. وتراجع نشاط المعاملات العالمية بنسبة 17% عن العام السابق، كما شهدت صناديق الاستثمار العقاري تصحيحات سعرية وصلت إلى 20%. وارتفعت الخسائر تحديداً في قطاع المباني الإدارية نتيجة تراجع الطلب ومعدلات الإشغال في مرحلة ما بعد الجائحة.
وبالنسبة للشركات، ظلت معدلات التعثر منخفضة، حيث أدت هوامش الأمان النقدية الكبيرة التي نجح القطاع في مراكمتها خالل الجائحة إلى التخفيف من التداعيات المالية. ولكن مع تراجع أرباح الشركات وتشديد أوضاع التمويل، بدأت هذه الهوامش في التآكل، مما قد يؤدي مستقبلاً إلى صعوبات في السداد ويعرض الشركات للتعثر. وستواجه الشركات الصغيرة وشركات الأسواق الصاعدة المزيد من الآثار السلبية على الأرجح بسبب افتقارها لمصادر تمويلية بديلة بخلاف الإقراض من القطاع المصرفي الذي بدأ بالفعل في تشديد معاييره.

  • تباطؤ سوق الإسكان في الصين

وفي الصين، يستمر تباطؤ سوق الإسكان رغم إعادة فتح الاقتصاد. وبينما تحسنت الأوضاع التمويلية لبعض شركات التطوير العقاري، لا يزال مشترو المساكن يتجنبون الشراء من المطورين العقاريين الأضعف أداء في القطاع الخاص، مما يعكس التقدم المحدود نحو استعادة الثقة في سوق اإلسكان األوسع نطاقا. وخالل عام 2022، اشتدت المخاوف حول قدرة الكيانات المالية التابعة للحكومات المحلية على مواصلة تحمل ديونها – والتي تستحوذ على حصة كبيرة من سوق العقارات، حيث يُقدر مجموع ديونها بحوالي 50% من إجمالي الناتج المحلي للصين، مما يعني أن وصول المزيد من هذه الكيانات إلى مرحلة المديونية الحرجة قد يفرض خسائر حادة على بعض البنوك، لا سيما في المناطق منخفضة الدخل التي تتحمل حكوماتها المحلية قدراً أكبر من المديونيات وتضم رصيدا كبير من المساكن غير المكتملة البناء.

  • جهات الوساطة المالية غير المصرفية

ويركز الفصل الثاني من التقرير، على جهات الوساطة المالية غير المصرفية، التي أصبحت أكثر ارتباطاً بالبنوك والمؤسسات المالية الأخرى في النظام المالي العالمي. وتشير دراسات الحالة إلى أن الضغوط في قطاع الوساطة المالية غير المصرفية تنشأ عادة عن ارتفاع مستويات الرفع المالي، ونقص السيولة، وزيادة الترابط، ومن شأنها الانتشار عبر البلدان، بما في ذلك إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والإقتصادات النامية. وقد تتفاقم مواطن الضعف تلك في ظل الارتفاع الحالي في معدلات التضخم، حيث ازدادت صعوبة توفير السيولة لأغراض الإستقرار المالي، وهو ما يتضح أيضا من تصريحات البنوك المركزية.
ويوثق الفصل الثالث كيف يمكن لتزايد التوترات الجغرافية-السياسية بين الاقتصادات الكبرى أن تفاقم من المخاطر المهددة للاستقرار المالي من خالل زيادة التشتت الاقتصادي والمالي عالمياً، وأن تؤثر سلباً على توزيع رأس المال عبر الحدود. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انعكاس مفاجئ في مسار التدفقات الرأسمالية، وتهديد الاستقرار المالي الكلي من خلال زيادة تكلفة التمويل المصرفي. وقد تكون هذه التداعيات أشد وطأة في الأسواق الصاعدة والبنوك التي تعاني من تدني نسب الرسملة. ومن شأن التشتت أن يفاقم أيضاً من التقلبات المالية الكلية من خلال الحد من تنوع المخاطر على مستوى العالم، ولا سيما في البلدان التي تمتلك رصيداً أقل من الاحتياطيات الوقائية الخارجية.

  • التوصيات بشأن السياسات المالية

أما في شأن التوصيات بشأن السياسات المالية، فيلفت الصندوق إلى أن «حال تفاقم الضغوط المالية مهددة سلامة النظام المالي في ظل ارتفاع التضخم، قد تنشأ مفاضلات بين أهداف التضخم والاستقرار المالي. ومن الضروري أن تفصح البنوك المركزية بوضوح عن أهدافها وأغراض السياسات لتجنب إثارة حالة من عدم اليقين دون داع. وعلى صناع السياسات التحرك سريعاً لمنع وقوع أحداث نظامية قد تنشأ عنها تداعيات سلبية على ثقة السوق في صلابة النظام المالي العالمي. وإذا ما رأى صناع السياسات ضرورة في تصحيح موقف السياسة النقدية لدعم الاستقرار المالي، عليهم الإفصاح بوضوح عن عزمهم المستمر على خفض التضخم إلى مستواه المستهدف بمجرد انحسار الضغوط المالية».

  • إخفاق ممارسات إدارة المخاطر الداخلية

وقد ألقت الاضطرابات الأخيرة في القطاع المصرفي الضوء، على إخفاق ممارسات إدارة المخاطر الداخلية، فيما يتعلق بمخاطر أسعار الفائدة والسيولة في البنوك، والأخطاء الرقابية. وعلى الأجهزة الرقابية، بحسب الصندوق، ضمان وجود آليات للحوكمة وإدارة المخاطر في البنوك، بما يتناسب مع المخاطر التي تواجهها، بما في ذلك في مجال
رقابة مجالس إدارة البنوك على المخاطر، وفعالية وكفاية أرس المال واختبارات القدرة على تحمل ضغوط السيولة. وبالنسبة لجهات الوساطة المالية غير المصرفية، ينبغي أن يعمل صناع السياسات على سد فجوات البيانات، وتشجيع الممارسات السليمة في مجال إدارة المخاطر، ووضع القواعد التنظيمية الملائمة، وتعزيز الرقابة.
ومن الضروري، بحسب الصندوق، احتواء المخاطر المهددة للاستقرار المالي، ضمان كفاية الحدود الدنيا لرأس المال والسيولة، بما في ذلك في فرادى المؤسسات الأصغر حجماً التي تعتبر غير مؤثرة على النظام المالي. وينبغي أن تضمن القواعد الاحترازية احتفاظ البنوك برأس المال اللازم لمواجهة مخاطر أسعار الفائدة، والتحوط ضد الخسائر
المستترة التي قد تتحقق على نحو مفاجئ عند حدوث صدمات في مستويات السيولة. وفي ظل البيئة الحالية التي تشهد معدلات تضخم مزمنة وأسعار فائدة مرتفعة، ينبغي أن تولي السلطات اهتماماً خاصاً بتصنيف الأصول المصرفية وتكوين المخصصات وحجم الانكشافات لأسعار الفائدة والسيولة.

  • معالجة قضايا السيولة

وينبغي أن تهدف تدابير دعم السيولة المتخذة من جانب البنوك المركزية إلى معالجة قضايا السيولة، وليس قضايا الإعسار التي ينبغي أن يُعهد بها إلى السلطات المسؤولة عن المالية العامة (أو عن تسوية أوضاع البنوك). كذلك ينبغي إتاحة السيولة لألط ارف المقابلة الملَزمة بموجب القواعد الرقابية والتنظيمية باستيعاب مخاطر السيولة داخلياً «العصا» بحيث قد لا تضطر البنوك المركزية إلى التدخل إلا لمواجهة مخاطر السيولة النظامية «الجزرة». ومن الضروري أن يظل جزء كبير من المخاطر داخل السوق «التأمين الجزئي» للحد من الخطر الأخلاقي، على أن يتم تحديد تاريخ واضح لإنهاء التدخلات للسماح لقوى السوق باسترداد سلطتها بمجرد انحسار الضغوط الحادة.
وتشير استجابات عدد من صناع السياسات في الآونة الأخيرة إلى ضرورة مواصلة العمل على تنفيذ خطة إصالحات نظم التسوية بحيث تزداد احتمالية تسوية أوضاع البنوك المؤثرة على النظام دون المخاطرة بالأموال العامة. ورغم أن الخسائر التي تكبدها المساهمون وحائزو الأدوات الرأسمالية الأخرى تعد تطوراً إيجابياً، أصبح توزيع المزيد من الخسائر عبر مختلف مستويات الدائنين قبل المخاطرة بالأموال العامة أمراً أكثر صعوبة. وسيكون على المجتمع الدولي تقييم هذه التجارب واستخلاص النتائج على مستوى السياسات، حول مدى فعالية إصلاحات نظم التسوية في أعقاب الأزمة المالية العالمية، بحسب الصندوق.

  • التدخل في سوق الصرف الأجنبي

وحسب إطار السياسات المتكامل الذي وضعه الصندوق، قد يكون من الملائم التدخل في سوق الصرف الأجنبي في حالة افتقارها إلى السيولة، وعدم اتساق الميزانيات العمومية وضعف ركائز التوقعات التضخمية، ما دامت الاحتياطيات كافية، والتدخل لن يسفر عن تقويض مصداقية السياسات الاقتصادية الكلية أو يُستعاض به عن التصحيحات اللازمة. وفي حالة الأزمات الوشيكة، قد يمكن الاستعانة بتدابير مواجهة التدفقات الرأسمالية الخارجة للحد من الضغوط الناجمة عنها، ولكن كجزء من مجموعة سياسات شاملة تهدف إلى التصدي لااختالالت الإقتصادية الكلية الأساسية، مع ضرورة إلغاء هذه التدابير بمجرد انحسار الأزمة.
وفي الاقتصادات النامية والأسواق الواعدة، ينبغي أن يبذل المقترضون السياديون المزيد من الجهود لاحتواء المخاطر الناجمة عن مواطن الضعف الكبيرة في هيكل الدين، بما في ذلك من خلال التواصل المبكر مع الدائنين، والتعاون المتعدد الأطراف، والدعم من المجتمع الدولي. ويمكن المساعدة في احتواء تكلفة الاقتراض والتخفيف من المخاوف إزاء استدامة القدرة على تحمل الدين من خلال وضع خطط ذات مصداقية لضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط. وفي البلدان التي توشك على بلوغ نقطة المديونية الحرجة، ينبغي أن يتعاون الدائنون الثنائيون ودائنو القطاع الخاص، على إعادة هيكلة الديون بصورة استباقية وفق الإطار المشترك لمجموعة العشرين، إذا ما توافرت الشروط الالزمة.

  • اعتماد نظم قوية للرقابة والتنظيم والإشراف

وفي أوقات الضغوط، قد يتعين حصول المؤسسات المالية غير المصرفية على السيولة مباشرة من البنك المركزي، مع ضرورة تطبيق معايير الحماية الملائمة، بحسب التقرير. ومن الأهمية بمكان اعتماد نظم قوية للرقابة والتنظيم والإشراف في قطاع المؤسسات المالية غير المصرفية، باعتبارها خط الدفاع الأول في هذا الصدد. وفي مواجهة المخاطر المهددة للاستقرار المالي، يمكن للبنك المركزي النظر في دعم المؤسسات المالية غير المصرفية من خلال توفير أدوات السيولة الملائمة حسب الحالة، العمليات الاستنسابية على مستوى السوق، أو تسهيلات الإقراض الدائمة، أو مقرض الملاذ الأخير، وإن كان يتعين تحري الدقة في تصميم هذا الدعم لتجنب الخطر الأخلاقي.
وعلى صناع السياسات، بحسب توصيات الصندوق، تخصيص الموارد اللازمة لتقييم مخاطر تزايد التوترات الجغرافية-السياسية على الاستقرار المالي وإدارتها والتخفيف منها. وقد يتعين على المؤسسات المالية الاحتفاظ بهوامش وقائية كافية من رأس المال والسيولة للتخفيف من هذه المخاطر الجغرافية-السياسية. كذلك ينبغي أن يضمن صناع السياسات كفاءة شبكة الأمان المالي العالمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zr6xpar

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"