عادي

«سِرَاجاً وَهّاجاً»

22:37 مساء
قراءة 3 دقائق
3

د. حميد مجول النعيمي *

الشمس كرة عملاقة من الغاز الساخن (تتألّف من عنصرين غازيين أساسيين هما الهيدروجين والهيليوم إضافة إلى نسب مختلفة من عناصر غازية أخرى كالكربون، والنتروجين، والأكسجين، والنيون، والمغنسيوم... إلخ)، وتتميز بتفاعلاتها النووية المستمرة في مركزها (اللب)، وهي -مثلها مثل جميع النجوم- قادرة على توليد الطاقة؛ لأن في لبها في الأساس تفاعل اندماج نووي هائل.

ويعتقد العلماء أن هذا الاندماج بدأ عندما انهارت سحابة ضخمة من الغاز والجسيمات المختلفة (أي سديم) تحت تأثير قوة جاذبيتها. لم ينتج هذا كرة كبيرة من الضوء في مركز نظامنا الشمسي فحسب، بل أطلق أيضاً عملية بدأ فيها الهيدروجين المتجمع في المركز في الاندماج لتوليد الطاقة الشمسية. وتُعرف هذه العملية تقنياً باسم الاندماج النووي، وهي تطلق كمية هائلة من الطاقة على شكل أشعة كهرومغناطيسية بما فيها من الضوء والحرارة، لكن الحصول على هذه الطاقة من مركز الشمس على طول الطريق إلى كوكب الأرض وما وراءه يتطلّب بضع خطوات فيزيائية حاسمة. في النهاية، يعود الأمر كله إلى طبقات الشمس، والدور الذي تلعبه كل طبقة منها في التأكد من وصول الطاقة الشمسية إلى الأرض؛ إذ يمكنها المساعدة في تكوين الحياة والحفاظ عليها.

ولأن لب (قلب) الشمس يحتوي على تفاعلات نووية اندماجية تقوم بتحويل الهيدروجين إلى هيليوم (بسبب الضغط المرتفع والحرارة العالية جداً)، ويصحب هذه التفاعلات خروج طاقة كبيرة جداً تمثل مصدر طاقة الشمس الحالي، علماً بأن حرارة اللب عالية جداً وتقدر بنحو 15.7 مليون درجة مئوية)، تكون الشمس جرماً سماوياً مضيئاً ووهاجاً (أي على شكل سراج ساطع ومضيء {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ: 13]).

فيما يتعلق بالخواص الفيزيائية الفلكية للشمس: تدور الشمس حول نفسها بسرعات مختلفة لأجزائها؛ إذ تدور كجسم غازي بحيث تكون السرعة في الاستواء أكبر مما هي عليه عند القطبين، وتكمل دورتها حول نفسها خلال 25 يوماً تقريباً عند الاستواء و35 يوماً تقريباً عند القطبين (بالمقارنة فإن الأرض تدور كجسم صلب حول نفسها بكامل جسمها بسرعة 30 كم/ ثانية وتكمل دورتها في 24 ساعة). تدور(تجري) الشمس حول مركز مجرتنا بسرعة 240 كم/ ثانية تقريباً وتكمل دورتها هذه في 250 مليون سنة تقريباً، وبما أن عمرها 5000 مليون سنة تقريباً تكون قد أكملت 20 دورة تقريباً حول مركز مجرة درب التبانة منذ أن ولدت مما يسمى بالسديم الشمسي. الشمس حالياً في منتصف عمرها، وأمامها في الحسابات الفيزيائية الفلكية عمر آخر مقداره 5000 مليون سنة أخرى؛ أي أن سطوع الشمس ما زال مستمراً وفي ازدياد؛ إذ إنها حتى الآن حرقت من مادة وقودها الهيدروجين أقل قليلاً من نصف مخزونها، وهذا يعني أن أمامها المستقبل الطويل {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38].

فيزيائياً وفلكياً، تجري الشمس وتتحرك حول مركز المجرة (بحركة دورانية تتضمنها حركة اهتزازية معقدة للأعلى والأسفل)؛ لذلك فإنها تبدو وكأنها تصعد وتنزل وتتقدم إلى الأمام، وبذلك تكمل الشمس دورة واحدة حول مركز المجرة في مدة 250 مليون سنة تقريباً، وكذلك النجوم، فإنها تجري وتتحرك حول مركز مجرتها.

لا تزال الشمس فَتِيَّةً جداً، مقارنةً بالأعمار الطويلة للغاية لكثير من النجوم، وتعد الشمس حالياً نجماً من نجوم التتابع الرئيسي؛ مما يعني أنها في أكثر أشكالها استقراراً، وستستمر هذه الفترة لبضعة ملايين من السنين.

ولأجل فهم الشمس فيزيائياً وفوائدها الكاملة لكوكب الأرض لا بد من معرفة فيزيائية لمركزها اللب وطبقاتها الغازية الداخلية والخارجية بالتفصيل، فنجد الشمس -كما قلنا سابقاً- نجماً نشطاً له نشاطات سماوية كونية عديدة مثل الكَلَف الشمسي (البقع الشمسية)، والاندلاعات، واللهب، والرياح الشمسية، والتدفقات الكتلوية الكرونية. هذه النشاطات لها علاقة فيزيائية وكيميائية مباشرة، وحتى بيولوجية ومؤثرة في الأرض، وكواكب المجموعة الشمسية، وأغلفتها الجوية، ومجالاتها المغناطيسية إن وجدت، وتسبب العواصف المغناطيسية وتؤثر في محيطها وبيئتها الفضائية والطقسية.

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4xyfd7xj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"