د. حميد مجول النعيمي *
وفقاً للفيزياء النووية، وضمن تفاعلات الاندماج النووي داخل الشمس والنجوم، تبدأ هذه التفاعلات باحتراق الهيدروجين حتى يتحول إلى الهيليوم، فالكربون، والسيليكون، والأوكسجين، ثم إلى عناصر ثقيلة مثل الحديد، وتندمج 4 ذرات من الهيدروجين لتؤلف ذرة واحدة من الهيليوم في قلب الشمس. والكتلة الذرية لأربع ذرات هيدروجين تعادل الكتلة الذرية لذرة واحدة من الهيليوم، والكتلة الذرية للهيليوم أقل من الكتلة المكونة من 4 ذرات هيدروجين، والفرق بين الكتلتين يعادل 0.7٪ تقريباً، والكتلة المفقودة هي التي تتحول إلى طاقة تبعثها الشمس بسبب الاندماج النووي. ولأجل تحويل الكتلة إلى طاقة، يحدث الاندماج النووي في درجات حرارة عالية جداً. وللعلم ليست جميع أجزاء الشمس ساخنة بدرجة كافية لحدوث هذا الاندماج، ولكن اللب الذي يشكل 10% من كتلة الشمس فقط، هو الذي يحدث فيه معظم الاندماج النووي. والطاقة المنبعثة هي التي تمنح الشمس الضيائية «هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً». (يونس 5)، وبالتالي تحتاج النجوم شبيهة الشمس إلى 10 مليارات سنة تقريباً منذ ولادتها لتتحول إلى نجم عملاق أحمر، وبعد إنتاج هذه الطاقة الهائلة يتم تسخين بقية الشمس بواسطة هذه الطاقة التي يتم نقلها من اللب عبر طبقات الشمس المتتالية، لتصل في النهاية إلى الغلاف الضوئي، ومن ثم تنطلق إلى الفضاء من خلال انبعاث الأشعة الكهرومغناطيسية والرياح الشمسية.
وبعد 3-4 مليارات سنة تستنفد الشمس كامل الوقود في باطنها، ويختل التوازن بين الجاذبية التي تشد المادة باتجاه المركز، وبين الطاقة المتولدة باتجاه الخارج، وتطغى قوة الجاذبية على قوة الدفع الخارجي، ما يسبب انهيار مادتها وسقوطها باتجاه المركز. وفي أثناء ذلك يأخذ الغلاف الخارجي للشمس بالتمدد، وتبدأ الشمس أوائل مرحلة العملاق الأحمر، وتنخفض درجة حرارة سطحها إلى نحو نصف ما هي عليه الآن، ويزداد حجمها حتى تبلغ مدار كوكب عطارد وتتعداه قليلاً. ثم تستمر هذه المرحلة قرابة 1.5 مليار من السنين، قبل أن ترتفع الحرارة في باطن الشمس وتحوله إلى كربون وأوكسجين. في هذا الوقت تكون الشمس قد كبرت عشرات، أو ربما مئات المرات عمّا هي عليه الآن، لتكون قادرة على ابتلاع الكوكبين عُطارد والزهرة، وربما القمر والأرض، ليصل غلافها إلى مدارات أبعد حول الشمس، وستنتثر في الفضاء «وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ» (الانفطار 2). ومع انتهاء مرحلة اندماج الهيليوم، فإن مركز الشمس سينهار مرة أخرى، وترتفع حرارته حتى يؤدي إلى تمدد غلافه الخارجي هذه المرة بمئات أضعاف ما كان عليه، فيبلغ قطره مدار الأرض، وربما يتعداه إلى أن يبلغ المريخ، وبعد ذلك تنتقل الشمس إلى مرحلة الأقزام البيضاء، ليصبح حجمها مقارباً لحجم الكرة الأرضية، وهي مرحلة نهايتها وموتها. وفي سورة التكوير نجد أن الله تعالى وصف موت الشمس والنجوم والكواكب بمفاهيم إعجازية دقيقة إذ قال:«إذَا ٱلشَّمسُ كُوِّرَت، وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَت،...وَإِذَا ٱلسَّمَاءُ كُشِطَت»...
وفي الفيزياء الفلكية عن موت الشمس، فإنها تبعث طاقتها إلى الأرض وإلى كواكب المنظومة الشمسية من خلال عملية الاندماج النووي، وبعد مجموعة من العمليات الفيزيائية داخل مركز الشمس تؤدي إلى انتهاء الهيدروجين وتحوله إلى عناصر أخرى، ومن ضمنها عناصر صلبة. ولمدة طويلة من الزمن تصل إلى آلاف الملايين من السنين تنفجر الشمس وتتحول إلى عملاق أحمر، وأما مركزها فينكمش على نفسه، بسبب قوى الجاذبية للعناصر الصلبة بعد احتراق الهيليوم، أي تتكور الشمس على نفسها (التكوير1). العمليات نفسها تحصل لجميع النجوم الشبيهة بالشمس (ينتهي الهيليوم في اللب ويتوقف الاندماج النووي لينفجر الغطاء الخارجي للشمس المؤلف من السحب الغازية والغبارية والدخان). «فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ» (الدخان 10).
هنا تظهر الشمس على هيئة كرة كبيرة حمراء في وسطها اللب الأبيض الذي يتحول إلى كرة حجمها يقارب حجم الأرض، تسمى بالقزم الأبيض، حيث تتمدد الشمس عشرات أو مئات المرات عن حجمها الطبيعي، وتظهر واضحة على شكل وردة في وسطها الشمس القزمة المنكمشة، ونسميها فلكياً بالسديم الكوكبي، والشيء نفسه للنجوم الشبيهة بالشمس «فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ». (الرحمن 37).
وكشف تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي، ضمن تفاصيل السديم الكوكبي الحلقي الجنوبي بالأشعة تحت الحمراء، النجم الثاني لهذا السديم واضحاً للراصد، فضلاً عن الغيوم في داخل السديم التي تم إنشاؤها عندما تشكل النجوم الغاز والغبار من حولها. وسوف تساعدنا التفاصيل الجديدة عن المراحل المتأخرة من حياة النجم على فهم أفضل لكيفية تطور النجوم، وتغيير خواصها (بيئتها). وهذه السّدُم التي تتكون بعد أن انفجار النجوم المشابهة للشمس، وفي مراحل حياتها النهائية، سبحان الله تعالى، تظهر على شكل وردة.
* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك
