خطوة صحيحة ولكن!

02:26 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن القيادة الفلسطينية قررت وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب «الإسرائيلي»، وتشكيل لجنة لتنفيذ ذلك؛ عملاً بقرار المجلس المركزي، يعد خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أنها تأخرت كثيراً، لا سيما أنها جاءت مع تأكيد عباس رفض سياسة فرض الأمر الواقع، التي ينتهجها الاحتلال «الإسرائيلي» الغاشم، ورفض ما يقوم به هذا الاحتلال من إجراءات غير شرعية.
لكن عباس الذي كعادته يريد إمساك العصا من الوسط، أصر على تمسك القيادة الفلسطينية بخيار السلام، الذي تحول مع الأسف إلى ما يشبه الأحجية، في ظل إصرار الطغمة العسكرية الحاكمة في «إسرائيل» على التنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؛ بل وزيادة الاعتداءات والإجراءات التعسفية شبه اليومية على المواطنين الفلسطينيين العزل، وآخرها هدم قوات الاحتلال لعشرات المنازل الفلسطينية في حي وادي الحمّص بقرية صور باهر جنوبي القدس؛ بحجة قربها من السياج العسكري على مشارف المدينة، علماً بأن هذه الأبنية تقع في المنطقة «أ» الخاضعة للسلطة الفلسطينية حسب الاتفاقات الموقعة، وحاصلة على تراخيص من وزارة الحكم المحلي، التي أفرزتها اتفاقية أوسلو بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية.
ومع أن الخطوة التي اتخذها الرئيس الفلسطيني، لاقت ترحيباً من جميع الفصائل الفلسطينية؛ باعتبارها خطوة طال انتظارها من الشارع الفلسطيني، إلا أن هذا الإعلان يبقى منقوص الأهمية والتأثير، ما لم يرفق بآلية تنفيذ جدية على الأرض، وهو ما ذهبت إليه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي حددت عدداً من الخطوات؛ لإثبات جدية الرئيس الفلسطيني، في تنفيذ قرار وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الاحتلال «الإسرائيلي»؛ أهمها: البدء الفوري والعاجل بوقف التنسيق الأمني؛ والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين؛ وإطلاق يد المقاومة؛ ونقل مسيرات العودة للضفة الغربية المحتلة؛ والتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة جنود الاحتلال وضباطه وقادته لما اقترفوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، والذهاب لتطبيق اتفاقات المصالحة، وفي مقدمتها اتفاق 4 مايو/ أيار 2011، والدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة مع انتخاب قيادة جديدة قادرة على مواجهة الاحتلال وأدواته.
وما لم يذهب الرئيس الفلسطيني لخطوات عملية على الأرض؛ فإن هذا القرار لن يساوي الحبر الذي كتب فيه، ولن يختلف عن قرارات المركزي مارس /آذار2015 ويناير/ كانون الثاني، وأكتوبر/ تشرين الأول 2018، تأكيداً لأهمية الترجمة الفورية للقرار، وضرورة الدعوة العاجلة للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير؛ من أجل معالجة شامله للوضع الداخلي الفلسطيني، بما ينهي الانقسام وفق الاتفاقات الموقعة، ويؤسس لوحدة وطنية تعددية، وشراكة حقيقية في إدارة الصراع مع الاحتلال.
والحقيقة التي لابد من التذكير بها هنا، هي أن مطالب الشعب الفلسطيني، أبعد بكثير من وقف العمل بالاتفاقات الأمنية وغيرها مع الاحتلال؛ لأن المطلوب ليس فقط وقف التعامل بالاتفاقات، وإنما تفعيل النضال الوطني الفلسطيني، وإعادة الثوابت الفلسطينية إلى مكانها في أجندة العمل السياسي الفلسطيني، وإلا فإن الوضع الفلسطيني سيبقى يراوح في مكانه، والدليل على ذلك أن أكثر من ربع قرن من المفاوضات والاتفاقات الكثيرة المبرمة مع الاحتلال، لم تقدم أي إيجابي ملموس في سبيل حل القضية الفلسطينية بالطرق السلمية؛ لا بل زادت من إمعان الاحتلال في رفض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعززت من سياسة التوسع الاستيطاني العنصري، ومزقت وحدة الأراضي الفلسطينية،وحولتها إلى معازل أشبه بمعازل الأبارتهايد، التي كانت قائمة في جنوب إفريقيا إبان الحكم العنصري، وربما أسوأ منها أيضاً.
ولذلك فإن من حق الشعب الفلسطيني الذي يخوض صراعاً دموياً مع الحركة الصهيونية، والاحتلال «الإسرائيلي» منذ أكثر من مئة عام، أن يطالب بترجمة القرارات الإيجابية على الأرض. فهل سنرى الشرطة الفلسطينية تواجه عسكر الاحتلال مثلاً إذا ما حاولوا اقتحام المدن الفلسطينية؛ لتنفيذ حملات اعتقال، أم ستنسحب تلك الشرطة من مواقعها؛ عملاً بما تمليه قواعد التنسيق الأمني؟ إنه سؤال ستظهر الإجابة عنه وتبين مدى جدية الرئيس الفلسطيني والسلطة الفلسطينية في القرار الأخير، من عدمها، وإن غداً لناظره قريب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"