سياسة بلا حياء

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

جاء إلقاء القبض على رئيسة وزراء سكوتلندا السابقة، نيكولا ستيرجين، لاتهامها في شبهة فساد مالي في حزبها القومي الاسكتلندي بعد يوم واحد من استقالة رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، من البرلمان قبل أن يدان بتضليل نواب الشعب ويطرد منه.

 كانت ستيرجين اضطرت للاستقالة قبل نهاية مدتها في رئاسة الحكومة الإقليمية بعد اتهام زوجها باستغلال منصبه في الحزب الحاكم للفساد المالي. ولم يكن واضحاً إن كان الأمر يمسّها هي أيضاً. أما مع اعتقالها هذا الأسبوع، فمن الواضح أنها، مثل جونسون، استقالت قبل أن تفصل نتيجة اتهامها بالفساد.

 تزامن مع ذلك تعليق حزب العمال المعارض عضوية وزير خارجية حكومة الظل، بامبوس خرالامبوس، على خلفية التحقيق في شكوى واتهام «سوء السوك». وهو بذلك تاسع نائب في حزب العمال تعلق عضويته.

 أما حزب المحافظين الحاكم، فحدّث ولا حرج عن اتهامات الفساد وخرق القانون وسوء السلوك التي طالت أغلب شخصيات الصف الأمامي فيه. ومع استقالة جونسون من البرلمان، استقالت وزير الثقافة والإعلام السابقة، نادين دوريس، من البرلمان أيضاً، كما استقال وزير سابق من عضوية البرلمان.

 وعلى مشارف انتخابات عامة، العام المقبل، تبدو السياسة في بريطانيا كأنها «تنشر غسيلها» بشكل غير مسبوق. لكن الواقع أن تلك الحالة من فساد السياسة ليست قاصرة على بريطانيا، وإنما هي موجة تتنامى منذ فترة في أغلب دول العالم. فقديما كان السياسي، أو أي شخصية عامة، تحوم حولها الشبهات (حتى قبل أية إدانة أو صحة الاتهامات) تستقيل من الحياة العامة. بل كان البعض ينهي حياته بنفسه خشية الفضيحة. أما الآن، فهناك صلف وعجرفة في مواجهة حتى الاتهامات والإدانات.

  كيف تطورت السياسة لتصبح بلا حياء، بعدما كانت فخراً بالخدمة العامة في تواضع وإخلاص؟ وإذا كانت الدول التي توصف بالديمقراطية طالما وعظت ما تسميها «دول العالم الثالث» في مجال السياسة والعمل العام، فلماذا تدهورت السياسة في تلك الدول التي لم تعد تطبق ما تعِظ به؟

 ربما يرى من يميلون للتغني بالماضي (نوستالجيا)، إلى اعتبار ذلك جزءاً من التدهور العام في القيم والأخلاق، على اعتبار أن الماضي دائماً أفضل من الحاضر، إلا أن الواقع ليس كذلك دوماً، وليس الماضي بالخالي من الصلف والعجرفة والانتهاكات ربما أكثر من الحاضر، إنما الفارق أن كثيراً من ذلك لم ينكشف إلا بعد عقود. أما الآن ومع كل التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال وسهولة اختراقها، فكل ما حدث هو أن الأمور أصبحت أكثر شفافية، على عكس رغبة من يريدون التغطية وتعمية وتضليل الرأي العام.

 أما في ما يخص السياسة، فصحيح أن الصلف والمفاخرة بالإثم في تصاعد واضح، حتى أن الجماهير العادية في أعتى الديمقراطيات الغربية بدأت تفقد الثقة بالسياسة والسياسيين. لذا نرى زيادة في إجراءات السلطات في تلك الدول التي لا تختلف عن الدول التي توصف بأنها «شمولية» بل أحياناً نجد سياسات تلك الديمقراطيات الغربية أكثر شططاً.

 الأرجح أن هذا التوجه بدأ منذ نهايات القرن الماضي، والشعور الزائف بأن نهاية الحرب الباردة كانت تعني «تسيّد» النموذج الغربي كتوجه مسيطر في العالم. فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، بدأت السياسة في الديمقراطيات الغربية تفقد حيويتها وشغفها، ولم تعد هناك فوارق واضحة بين يمين ويسار.

 وساهمت التطورات التكنولوجية، خاصة وسائل التواصل عبر الإنترنت، في اتساع رقعة التيارات الهامشية من يمين متطرف، ويسار فوضوي، إلى جانب جماعات تشعر بأنها مميزة على أسس أقرب للعنصرية. كل ذلك ترك السياسة التقليدية في جمود وفراغ لا يملأه سوى منافقين ومدعين وأنصاف موهوبين. وذلك المزيج من الخصال يُنتج بالضرورة شخصيات تغلب عليها الانتهازية والتلفيق، وتتسم في الوقت ذاته بجرأة غير عادية في الكذب والتبجح. ولعلنا لم ننس بعد ما كان يقوله الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وفريقه حين ينكشف كذبهم الفج بأن ذلك «حقيقة بديلة».

 لم يكن ترامب فريداً في ذلك، وإن كان تسليط الضوء عليه كزعيم أكبر قوة في العالم، جعله يبدو كذلك. بل إن النماذج المماثلة من أوروبا إلى أمريكا وآسيا، وغيرها، كانت واضحة وتكشفها الأحداث باستمرار. قد يكون ضياع الحياء من السياسة صعب الاستعادة، لكن تطور العمل العام نحو الأفضل أمر ممكن إذا توفرت إرادة البشر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckstkh4

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"