من باريس إلى «داعش».. لا داعي للقلق

02:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

دون إنجاز حقيقي أو نتائج محددة أو خطوة واحدة للأمام انعقد وانفض المؤتمر الدولي الذي استضافته باريس الأسبوع الماضي لدعم العراق ومحاربة «داعش». النتيجة على هذا النحو جاءت مخيبة للآمال، سواء آمال العراقيين الذين راهنوا على مساعدة دولية فعالة، أو آمال السوريين الذين انتظروا انتفاضة غربية مخلصة تنقذهم من ويلات الحرب، وليس من إرهاب «داعش» فقط.

بهذه النتيجة السلبية أيضاً يكون «داعش» هو الطرف الوحيد الذي خرج فائزاً من المؤتمر، بعد أن حقق بلا جهد نصراً سياسياً يضاف إلى انتصاراته العسكرية على الأرض.
باختصار فإن المؤتمر الذي حضرته دول التحالف المشاركة في الحرب على «داعش»، وجه رسالة تطمين غير مباشرة إلى التنظيم من خلال البيان الختامي المهلهل الذي صدر عنه، ولم يحمل جديداً فعلياً. ليست هذه قراءة متشائمة لأن استعراض بنود البيان ستقود حتماً إلى تلك الخلاصة.
للمصادفة فإن باريس نفسها كانت هي العاصمة الغربية التي شهدت ميلاد التحالف الحالي لمحاربة «داعش» والمكون من 60 دولة. وكان ذلك في سبتمبر/أيلول 2014. وخلال ذلك المؤتمر التأسيسي تم تدشين التحالف وإقرار خطة القصف الجوي التي بدأت يوم 19 من نفس الشهر.
وكان من المفترض بعد قرابة عام على إطلاق هذه الخطة أن يكون الاجتماع الأخير بمثابة وقفة لمراجعة ما تم تحقيقه، أو بالأحرى ما لم يتم تحقيقه. أي تقييم نتائج الاستراتيجية الحالية، ودراسة أسباب فشلها وعدم فاعليتها. المقياس الوحيد للحكم في هذه الحالة يجب أن يكون النتائج على الأرض، وهذه تقضي بما لا يدع مجالاً للشك بفشل الاستراتيجية الحالية للتحالف الدولي.
النظرة السريعة إلى الخريطة تعزز وتؤكد صحة هذا الحكم. إذ إنه قبل بداية الغارات الجوية في العام الماضي كان التنظيم قد نجح في السيطرة على أغلبية محافظة الرقة السورية، وكان له وجود في ريف حلب الشمالي. وفي العراق كانت الموصل قد سقطت وهو التطور الذي استفز الغرب للتدخل. كما كانت عناصر «داعش» متواجدة في محافظتي الأنبار وصلاح الدين في نقاط متناثرة.
أما اليوم، وفي ظل الغارات الجوية المكثفة، فإن «داعش» يسيطر على نصف مساحة سوريا تقريباً، ويتوسع في محيط حلب في الشمال، ويسعى للانقضاض على «مارع» وهي بلدة صغيرة إلى الشمال من حلب على الحدود مع تركيا. وقد بدأت طلائع التنظيم في مهاجمتها بالفعل. وفي الوقت ذاته تتقدم عناصر التنظيم حالياً صوب محافظة الحسكة في الشمال الشرقي. وبعد سيطرته على تدمر في الوسط، من المرجح أن يوجه قواته إلى حمص في اتجاه الغرب، فيما أصبحت دير الزور محاصرة تقريباً.
على الجبهة العراقية يبدو وضع التنظيم أكثر قوة رغم الاستعدادات التي تقوم بها الحكومة لشن هجوم مضاد لاستعادة الرمادي بدعم أمريكي كبير، فإن الثابت، حتى الآن، هو سيطرة التنظيم على المدينة، كما سيطر من قبل على الموصل. وفي الحالتين لقيت القوات الحكومية هزيمة ثقيلة ومهينة، هذا فضلاً عن سيطرة التنظيم على عدد غير معروف من النقاط الحدودية في البلدين، والمنشآت النفطية التي يستخدم عائدات صادراتها المهربة في تمويل قواته ودعم تمدده.
في ظل هذا التقدم على الأرض التقى المجتمعون في باريس لتأكيد دعمهم للحكومة العراقية، دون أي توضيح لكيفية ترجمة هذا الدعم ميدانياً. وبلا توضيح لمدى الاختلاف الذي سيميز الدعم هذه المرة عما سبقه والذي ثبت عدم جدواه. لا يعنينا أيضاً «الكلام» الخالي من المضمون الذي تضمنه البيان الختامي عن العمل على وقف تدفق المقاتلين الأجانب المنضمين إلى التنظيم، أو قطع التمويل عنه لأن مثل هذه الوعود تتردد دائماً، وتستمر معها في الوقت ذاته موجات التدفق للمقاتلين الجدد.
ووفقا لتقديرات دولية فإن عدد هؤلاء المقاتلين يزيد حالياً على 25 ألف مقاتل جاؤوا من نحو مئة دولة. وهو ما اعتبره حيدر العبادي رئيس الوزراء دليلاً على فشل المجتمع الدولي في مساعدة بلاده.
دعك هنا من الحديث الأجوف عن الحل السياسي في سوريا، وفقاً لما كرره البيان الختامي، حيث تتردد مثل هذه الجملة في كل اجتماع من دون خطوة جادة واحدة على هذا الطريق. فضلاً عن إدراك المجتمعين للمأزق الذي يواجهونه في سوريا ويتمثل في رغبتهم بالقضاء على «داعش» والنظام السوري معاً. في حين أن التنظيم والنظام كلاهما يحارب الآخر. ومشاركة التحالف في تدمير الأول ستصب في مصلحة الثاني، وهي معضلة لا تعرف الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة كيف تواجهها حتى الآن.
خلاصة الأمر أن المؤتمر كان فرصة أخرى ضائعة. أو فرصة أضاعتها الدول الكبرى للتعامل بجدية مع الأزمة في العراق وسوريا، وتبني آليات واستراتيجيات واقعية وفعالة لإنهاء معاناة الشعبين. ولو كان لأحد أن يتهلل لهذا العجز ويتنفس الصعداء بعد فض الاجتماع فلن يكون سوى «داعش» وإخوانه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"