عادي
أعماله باعت مليون نسخة في المنطقة الألمانية وحدها

هاينريش بُل.. لسان حال العائدين من الجبهة

23:56 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

أصدر الكاتب والمترجم سمير جريس ترجمة لبعض القصص المختارة للأديب الألماني، هاينريش بُل، معتمداً على طبعة الأعمال الكاملة للكاتب الألماني الكبير، التي صدرت عام 1987، وعلى سبيل التقديم يكتب سمير جريس مقدمة للترجمة بعنوان «هاينريش بُل والسؤال المؤرق: لماذا حدث ما حدث؟».

هل للأدب عمر افتراضي؟ وبعد كم من الأعوام تفقد الأعمال الأدبية قيمتها، أم أن الأعمال الجيدة لا تفقد قيمتها أبداً؟ هذه الأسئلة طرحتها الأوساط الأدبية، في ألمانيا، خلال الاحتفال بمرور مئة عام على مولد الروائي والقاص الألماني هاينريش بُل، الذي حصل عام 1972 على جائزة نوبل للآداب.

كان بُل واحداً من أبرز ممثلي التيار الأدبي الجديد، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وضم هذا الجيل كتاباً مثل بُل وجراس وإنتسنسبرجر، ومعظمهم قضى الحرب العالمية الثانية بالزي العسكري، وكان همهم بعد الحرب هو التعبير عن خبرة الحرب وفترة النازية، كما كانوا يطمحون إلى تخليص اللغة الألمانية من الرطانة.

كتب بُل القصة القصيرة متأثراً بأسلوب الأمريكي هيمنغواي، والألماني بورشرت الذي قضى نحبه في ريعان شبابه، بسبب مرضه أثناء تأدية الخدمة العسكرية، وفي قصصه المبكرة كان بُل يعبر عن الحرب العالمية الثانية بعيون المجند الذي يكره الحرب، ليس لأنه بطل مقاوم، بل لأنه ببساطة شاب في مقتبل العمر، يرى كل شيء في حياته بات مؤجلاً.

عبثية الحرب وضعف الجنود في ساحة القتال وعجز الإنسان البسيط عن فعل شيء، ثم الأنقاض التي خلفتها الحرب في البيوت والنفوس، كل هذه موضوعات تناولتها قصص تلك الفترة، مثل «عند الجسر»، أو «موت إلزه باسكولايت»، أو «أيها الجوال»، وهي قصص تمنح قارئها، رغم أجوائها الكئيبة، بصيصاً من الأمل.

أدب الأنقاض

أطلق النقاد على أدب ما بعد الحرب في ألمانيا تسمية «أدب الأنقاض»، وهي تسمية تنطبق تماماً على قصص هاينريش بُل، أو رواياته في خمسينات القرن الماضي، مثل «أين كنت يا آدم؟»، و«لم ينطق بكلمة واحدة»، وبهذه الأعمال تحول بُل إلى لسان حال البسطاء والخاسرين والجنود العائدين من الجبهة بعد الحرب.

وفي سنوات الستينات انشغل بُل بتصوير أحوال المجتمع في فترة ما سمي ب«المعجزة الاقتصادية»، منتقداً التحولات التي شهدها المجتمع الاستهلاكي الجديد الذي كان يقدس المال من ناحية، ويقوم من ناحية أخرى بعملية إزاحة وكبت جماعي لفترة النازية والحرب.

في تلك الفترة كتب واحدة من أشهر رواياته، وهي «آراء مهرج» التي تحولت إلى فيلم سينمائي ناجح، عالج فيها موضوع رفض الاندماج في المجتمع، واختيار الحياة على الهامش بكامل الوعي، هذه هي الخبرة التي خرج بها الكاتب من فترة الجندية في الجيش النازي، والتي جعلته يحاول التهرب من الخدمة العسكرية بكل السبل، ومنها مثلاً تزوير تصاريح الإجازة.

وفي مطلع السبعينات كتب رواية «صورة جماعية مع سيدة» التي أشادت بها لجنة نوبل، وما كاد يتسلم الجائزة، حتى وجد نفسه يخوض صراعاً قاسياً مع الصحف اليمينية، إذ حاول أن يتفهم دوافع مجموعة «بادر ماينهوف» التي قامت بأعمال إرهابية ضد رموز الدولة، فوجهت له الاتهامات بأنه «متعاطف مع الإرهاب».

ويشير سمير جريس إلى أن أعمال بُل كانت تلقى صدى كبيراً فور صدورها، وتثير النقاشات والجدال، وفي أعقاب فوزه بجائزة نوبل، ترجم عدد كبير من أعماله إلى أهم لغات العالم، ومن بينها العربية، وبات بإمكان القارئ العربي أن يطالع قصصه القصيرة وعدداً من رواياته.

لكن، ماذا يتبقى من أدب بُل الآن؟ لقد كان لسنوات طويلة من أكثر الكتاب الألمان نجاحاً، باعت أعماله ما يزيد على مليون نسخة في المنطقة الألمانية وحدها، وفي الستينات والسبعينات كانت نصوصه مقررة على تلاميذ المدارس، فهي تعكس التطور السياسي والاجتماعي في ألمانيا بعد الحرب.

كان بُل يعتبر فن القصة القصيرة «أحب الأشكال الأدبية» إلى نفسه، وربما يكون هجر ذلك الفن لشعبية الرواية، غير أنه لم يكن روائياً، هكذا يجمع معظم النقاد الألمان، وتعتبر قصصه الساخرة من أجمل ما كتب، مثل قصة «سيحدث شيء» التي تعتبر مثالاً رائعاً على فن القص الساخر الفاضح لعيوب المجتمع، فن يجرح من دون أن يدمي، مثيراً ابتسامة لا تغادر وجه القارئ.

بساطة
يرى سمير جريس أن إنجاز بل كان في البساطة وفي مضمون أعماله التي عبرت عما يعتمل في نفوس الملايين، موضحاً أن هذه المجموعة تضم قصصاً لم تسبق ترجمة أغلبها إلى العربية، وهي تبين التطور الذي شهدته قصص بُل، مضموناً وأسلوباً.

يقول جريس: «تطمح هذه المختارات إلى تقديم بعض أعمال أديب ناقد لا يقدم في أعماله تبريراً لكارثة النازية، ولا وصفاً لأعمال بطولية خارقة في مقاومة النظام، أو تمجيداً لعظمة شعبه؛ كاتب يحكي ببساطه ما عايشه، محاولاً إيجاد رد على السؤال: لماذا حدث ما حدث؟».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/33wzjz78

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"