حرية التعبير المزعومة

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لا يعدو شعار «حرية التعبير» الذي يتبجح به الغرب، إلا كونه لباس الذئب لثوب الحمل، أو «عدة النصب» للتنظير به على الأقوام الأخرى المخالفة في العقيدة والثقافة والتاريخ والسياسة والتوجه، وأمثلة ذلك كثيرة لا حصر لها، بدءاً بالحروب الاستعمارية التي أكلت الأخضر واليابس، من نهب وسلب وقتل وسحل واغتصاب وإخضاع دول لإرادة الغرب الذي يرى في نفسه المتحضر الوحيد، مروراً بمحاولة فرض الثقافة بالولوج من ثغرات الفقر والضعف، كما حدث في إفريقيا ولا يزال، وليس انتهاءً بالتمييز في دولهم نفسها، حتى وُجد في المجتمع طبقات عدة، وتصنيفات لا تمت للإنسانية بصلة، ومخالفة مبدأهم صراحة، كما حدث في السويد بالسماح لعنصريين وغلاة بحرق المصحف الشريف بمباركة القضاء، وتحت حماية الشرطة.

 إن «حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين»، لكن السويد سمحت لمتطرف بإحراق المصحف وإهانته، على مرأى من العالم أجمع، وكأن مشاعر مليار ونصف المليار مسلم لا تعني شيئاً. والعجيب أن هذا الفعل لم يكن ناشزاً، بل قُنن وتلقى الحماية، تحت شعار حماية حرية التعبير، رغم أن امتهان الآخر وفكره، لم تكن يوماً مشروعة سواء في القوانين الوضعية أو السماوية، بل إن لكل شيء حدوداً لا يجوز تخطيها، لكن تم تجاوزها جميعها من قبل «رعاة الحريات».

 استوكهولم قدمت اعتذارها وأعلنت نيتها معاقبة الفاعل، بعد دعوات مقاطعتها، والإدانات الواسعة، وغضب الشعوب العارم من هذا الفعل، إضافة إلى مخاوفها من انعكاس ذلك على عضويتها في «الناتو»، بعد غضب تركيا الذي قال وزير خارجيتها، هاكان فيدان، «إن فشل السلطات السويدية في منع الاحتجاجات بحرق القرآن في البلاد يثير مخاوف أمنية وتساؤلات بشأن أوراق اعتماد هذا البلد لعضوية محتملة في الأطلسي»، في حين أن الأسف السويدي بحد ذاته جاء ناقصاً، إذ إنه برر الفعل بشكل ملتبس بقول حكومتها: «إنها تتفهم بالكامل أن الأعمال المعادية للإسلام التي يرتكبها أفراد يمكن أن تكون مسيئة للمسلمين، وندين بشدة هذه الأعمال»، لكنها ذكرت في الوقت نفسه بأن «حرية التعبير حق محمي دستورياً في السويد»، أي إنها لا تسطيع منعه.

ما جاء في البيان السويدي يعد التفافاً، لامتصاص الغضب العالمي، بل كان الأجدى التعهد بمنع تكرار ذلك، لا باللعب على الكلمات، أو اتخاذ قرار متأخر بإجراءات ضد الفاعل، للخروج من المأزق، فالقضية لن تحل بترك العنصريين يفعلون ما يشاؤون، لأن ذلك يعد شكلاً من أشكال الإرهاب، وجنوح المجتمع نحو التشنج والتعصب، إضافة إلى فتح المجال على مصراعيه «للإسلاموفوبيا».

 ما حدث في السويد تكرر فعله في دول أوروبية أخرى بأشكال مختلفة، كصحيفة فرنسية أساءت للرسول الكريم، وغيرها، ليكون ذلك مدعاة لدق ناقوس الخطر، جراء انفلات الأمور من عقالها، أو أقلها بردود فعل فردية لا يحمد عقباها.. فهل تتلافى هذه الدول هذا المنزلق الخطير، أم ستبقى في سباتها وتغض الطرف عن الخطر القادم؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/27r44xtm

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"