العسكرة المفرطة في عالم يتغير

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

أمام انسداد شبه كامل لأي أفق سياسي يخفض كلفة الحرب الأوكرانية، تعلو لغة التجييش على الجانبين في محاولة تكاد تكون مستحيلة لحسمها عسكرياً.

احتمالات الحرب العالمية الثالثة غير مستبعدة وأشباح النووي حاضرة في المشاهد المستجدة.

في قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، التي التأمت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، أخذ الجنوح إلى التصعيد مداه، وكانت ردة الفعل على الجانب الآخر من الصراع مماثلة.

بحسب تصريح لافت لأمين عام الناتو «ينس ستولتنبرغ»: «الحلف لم يعد منظمة إقليمية للدفاع المشترك بين دول ضفتي الأطلسي»، قاصداً أنه أصبح منظمة دولية يدخل في نطاقها الجغرافي بحر الصين الجنوبي والمحيطان الهندي والهادي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

إنها عقيدة استراتيجية جديدة ل«الناتو»، أعادت تعريفه ووسعت من نطاقه الجغرافي.

الطابع العالمي لازم نشأة الحلف عام (1949)، بعد أربع سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية، كذراع عسكرية جماعية للتحالف الغربي.

الولايات المتحدة بقدراتها العسكرية والاقتصادية الفائقة، تولّت مركز القيادة في الحلف دون منازع.

بعد ست سنوات أخرى (1955) أنشئ حلف «وارسو» كذراع عسكرية جماعية لما كان يطلق عليها «المنظومة الاشتراكية» بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق. وبعد تفكك حلف «وارسو» إثر انهيار الاتحاد السوفيتي، مطلع تسعينيات القرن الماضي، انفردت الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي.

وبإزاحة شبح «الخطر السوفيتي» على الأمن الأوروبي لم يعد ل«الناتو» أي أدوار يضطلع بها، لكنه أبقي عليه وبدأ البحث عن عدو جديد يبرر استمراره.

حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التخفف من التزاماته المالية الباهظة، وتبنى شعار: «الدفع مقابل الأمن».. وبدا «الناتو» كجثة في عرض الطريق تنتظر من يدفنها.

ووجد خلفه جو بايدن في الأزمة الأوكرانية، فرصة مواتية لإعادة بناء الحلف وتأكيد القيادة الأمريكية من جديد باسم الدفاع عن الأمن الأوروبي والقيم الغربية المشتركة.

في الأجواء السلبية، التي خيمت على قمة بوخارست (2008)، طرح السؤال الأوكراني، تنضم أو يؤجل انضمامها؟!

جرى استبعاد سيناريو الضم، خشية إثارة غضب موسكو بالنظر إلى التعهد الذي قطع لها مقابل موافقتها على توحيد الألمانيتين، ألا يتوسع «الناتو» إلى حدودها المباشرة، أو تنشر فوقها منصات صواريخ تهدد أمنها. كان ذلك قبل خمسة عشر عاماً. السؤال نفسه أعيد طرحه في قمة فيلنيوس.

رغم اختلاف المقاربات والتبريرات، انتهت القمة الجديدة إلى استبعاد سيناريو الضم من جديد. طرحت ثلاثة اشتراطات:

الأول، تحديث الجيش الأوكراني تسليحاً وتدريباً وتنظيماً وفق المواصفات الحديثة. ناقض ذلك الشرط، ما قررته القمة من ضمانات أمنية طويلة الأمد ومساعدات عسكرية ضخمة لبناء قدرات دفاعية براً وبحراً وجواً، تردع العدوان الروسي.

الثاني، رفع منسوب الالتزام بالديمقراطية ومحاربة الفساد.

الثالث، أن يجري الضم بعد انتهاء الحرب. بعض التعهدات مثيرة للالتفات، كأن تحصل أوكرانيا على ضمانات أمنية تماثل ما لدى إسرائيل.

في قمة «الناتو» تبدت تباينات وصفقات سياسية أقرب إلى المراوغات، للملمة الشروخ الظاهرة.

من أهم الصفقات المراوغة، الوعد الأمريكي الذي بذل لتركيا بالانضمام مستقبلاً إلى الاتحاد الأوروبي مقابل عدم ممانعتها انضمام السويد إلى الحلف، وهو وعد لم يلتزم به الأوروبيون أنفسهم!

كانت زيارة الرئيس الأمريكي إلى فنلندا، العضو الجديد في «الناتو»، عقب انتهاء القمة، تعبيراً عن إدراك ضرورات الشراكة مع دول الشمال الأوروبي في إحكام الحصار على روسيا.

ضمّ السويد ينهي مئتي سنة من الحياد، ويفتح المجال لإعادة ترتيب الشمال الأوروبي باسم الأمن المشترك.

على الجانب الآخر، يرى الكرملين في ذلك التطور، انتقاصاً خطيراً من الأمن الأوروبي، وأن الرد لن يتأخر طويلاً.

العسكرة المفرطة وصلت إلى خروق فادحة في قواعد الاشتباك، مثل إمداد كييف بطائرات «F16»، وتعهد دول أوروبية عديدة بتدريب الطيارين الأوكرانيين، وتزويد آلتها العسكرية بقنابل عنقودية، ما قد يدعو موسكو، كما هددت، إلى أن ترد بما هو متوفر لديها من نفس الأسلحة المحرّمة.

نحن أمام فصل جديد من الصراع على مستقبل النظام الدولي باعتبارات القوة وحدها، الذرائع والحيثيات الأخرى صارت على الهامش لا في صلب الصراع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc6yz588

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"