المغرب و«بدائل الصيد» مع أوروبا

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

انتهى العمل قبل أيام ببروتوكول الصيد البحري، الذي سبق عقده بين المغرب والاتحاد الأوروبي لفترة تمتد إلى أربع سنوات (2019 - 2023)، في مرحلة مفصلية تثار بشأنها الكثير من الأسئلة بصدد مستقبل هذا الاتفاق من جهة، وآفاق العلاقات المغربية – الأوروبية بشكل عام.

وشهدت العلاقات بين الجانبين تطوراً كبيراً خلال العقود الأخيرة، وهو ما يؤكده حجم المعاملات الاقتصادية والتجارية، وإبرامهما لمجموعة من الاتفاقيات في عدد من المجالات. وضمن هذه الدينامية، حصل المغرب على صفة «الشريك المتميز» في عام 2008 في علاقته بالاتحاد، وهي وضعية تقلّ من حيث أهميتها ودرجتها عن العضوية، وتتجاوز صفة الشريك العادي، فيما أبدى المغرب تعاوناً كبيراً في سياق العلاقات الثنائية أو في إطار الاتحاد، في عدد من القضايا المتصلة بالهجرة ومكافحة الإرهاب.

ويستأثر مجال الصيد البحري بأولوية كبيرة ضمن هذا التعاون، حيث شهد الملف نقاشات ومفاوضات سياسية واقتصادية مكثفة، وعلى الرغم من الكثير من الخلافات التي تُطرح من حين إلى آخر مع حلول موعد تجديد البروتوكول، فإن قوة العلاقات بين الجانبين، أسهمت إلى حدّ كبير في تجاوز الكثير من الصعوبات، ما أتاح بلورة توافقات تصب في مصلحة الجانبين إلى حد ما.

وقد أعلن المغرب أن مستقبل التعاون مع الطرف الأوروبي في مجال الصيد البحري، يظل رهناً بالتقييم الذي ستجريه الحكومة في هذا الصدد، بمشاورة مع الأطراف الأوروبية، وهو ما يحيل إلى أن هناك رغبة في إرساء تعاون متوازن، يأخذ بعين الاعتبار مصالح المغرب في شموليتها.

وشهدت علاقات المغرب مع كل من إسبانيا وألمانيا توتراً خلال الفترة الأخيرة، مثلت فرصة لتوضيح طبيعة الشراكة الثانية التي يطمح المغرب إلى إرسائها في إطار من التوازن واحترام المصالح والسيادة، وهو ما أفضى إلى بناء قدر من الثقة بين الجانبين بعد التصريحات الإيجابية التي صدرت عن السلطات الإسبانية ونظيرتها الألمانية بشأن قضية الصحراء.

وفي أواخر شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2021، وعلى إثر طعن تقدمت به جبهة «البوليساريو»، قضت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ بإيقاف سريان الاتفاقات التجارية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، والتي تشمل منتجات فلاحية وسمكية، بذريعة شمولها لمنطقة الصحراء التي تعتبرها «الجبهة» أراضي متنازعاً عليها.

ورغم أن الأمر يتعلق بقرار ابتدائي وغير نهائي، فقد أسهم في إرباك العلاقات ين الجانبين، وخلّف استياء في عدد من الأوساط الأوروبية ذاتها كإسبانيا، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي، إلى التقدم بطعن بالاستئناف في مواجهة القرار، مع إعلان المغرب والاتحاد حرصهما على تأمين الإطار القانوني الذي يدعم استمرار العلاقات التجارية بين الجانبين وتطويرها.

حقيقة أن اتفاقية الصيد البحري لا تزال قائمة، غير أنه ومع انتهاء صلاحية البروتوكول المتصل بها، يسعى المغرب إلى تجديده وفق رؤية تضمن مصالحه المختلفة، وفقاً لتوجهاته الخارجية المبنية على إرساء شراكات متوازنة واحترام سيادته الكاملة.

إن حرص المغرب على الحوار والتعاون مع شركائه الأوروبيين في سبيل الاتفاق على بروتوكول متوازن يضمن شراكة في مستوى تطلعاته ومصالحه، يقتضي أيضاً استحضار بدائل أخرى في حال استمرار بعض الأطراف الأوروبية في تعنّتها، وإصرارها على بلورة شراكة انتقائية تصب في مصالح الطرف الأوروبي، ولا تأخذ بعين الاعتبار سيادة المملكة ومصالحها.

لقد استطاع المغرب خلال السنوات الأخيرة تنويع شركائه، سواء في إطار العلاقات جنوب – جنوب، أو في سياق العلاقات جنوب - شمال، حيث تعززت العلاقات المغربية مع البلدان الإفريقية، كما تم الانفتاح على عدد من القوى الدولية الكبرى كالصين والولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يوفر أرضية خصبة لإرساء شراكات جديدة في مجال الصيد البحري كفيلة بسد الفراغ الذي يمكن أن ينجم عن عدم تجديد البروتوكول مع الأوروبيين.

كما يمكن للمغرب أيضاً أن يطور سياساته العمومية في مجال الصيد البحري، وفق استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار كل المستجدات، بما يتيح تعزيز الموانئ وتوسيعها، وتطوير أسطوله وصناعاته البحرية، مع البحث عن أسواق جديدة لمنتوجاته البحرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"