حيرة أمريكا أمام العلاقة مع إسرائيل

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

أحياناً، كان لافتاً للنظر مقولات لمؤرخين أمريكيين بأن مصطلح «أفلام الأكشن» التي تنتجها هوليوود، ينعكس بصورة كاملة على سياسة أمريكا الخارجية. وكان تأثيره يمتد إلى الشخصية الأمريكية.

وكثيراً ما كانت هوليوود تنتج فيلماً روائياً عن سياسة أمريكا تجاه دول أخرى، ولا تلتزم بتقديم الحقائق المجردة، بل يختلط فيها الواقع بالخيال الدرامي المقصود لذاته. وهو ما يثير حيرة العارفين بالحقيقة.

ومنذ أيام أطل علينا محتوى سياسة الأكشن متمثلاً في الإعلان عن أن الرئيس بايدن قرر إعادة تقييم علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل، رداً على تطرف حكومة نتنياهو، بشكل يهدد العلاقات التاريخية بين البلدين. كان ذلك ضمن مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز للكاتب البارز توماس فريدمان. وكان قد سبقه مقال لنفس الكاتب وبنفس الصحيفة عنوانه، «لقد بدأت إعادة تقييم أمريكا لحكومة نتنياهو». وقال، إن الفريق المعاون للرئيس بايدن يرى أن حكومة إسرائيل اليمينية بقيادة نتنياهو شريك في سلوك عنصري غير مسبوق.

ثم عاد فريدمان في مقاله التالي منذ أيام يتوقع أن يتولى بايدن إبلاغ الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوج، بقراره، وبأن سياسة نتنياهو تمثل تهديداً للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

لكن، فجأة وبلا أي منطق معقول يعبر عن كل هذا الذي قيل، حدث تطوران يتناقضان مع ما نشرته نيويورك تايمز. الأول أن بايدن لم يبلغ هيرتزوج عندما اجتمعا بشيء من هذا، والثاني ما أعلنه البيت الأبيض بعد مقال فريدمان من أنه لم يتخذ قراراً بشأن إعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل. 

 إن مقال النيويورك تايمز أشار إلى تقرير بحثي للكونجرس في عام 2020، يقول إن إسرائيل حصلت على أكبر حجم من المساعدات، عن أي دولة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية بمقدار 164 مليار دولار، وإن ذلك كان يقتضي قدراً من الاحترام لرئيس أمريكا، من الوزير بن غفير. وذلك في إشارة إلى نبرة الغرور التي تحدّث بها بن غفير في كلمة موجهة إلى بايدن، قال فيها إن إسرائيل لم تعد نجمة أخرى في علم أمريكا.

قبل ذلك كانت نيويورك تايمز قد نشرت مقالاً لتوماس فريدمان في 17 يناير/كانون الثاني 2023، تصوّر فيه أنه يكتب رسالة لبايدن عنوانها «هل يمكن لبايدن انتقاد إسرائيل؟

وقال في مقاله التخيلي، إنك ربما تكون الوحيد الذي يقدر على إيقاف نتنياهو وحكومته المتطرفة من تحويل إسرائيل إلى معقل للتعصب. فإن إسرائيل التي كان بايدن يعرفها قد تلاشت، وأن ما نراه الآن هو إسرائيل أخرى جديدة. كما أن كثيراً من وزراء حكومة نتنياهو معادون للقيم الأمريكية، وللحزب الديمقراطي.

إن مقال فريدمان الأخير منذ أيام توقف أمام جانب شديد الأهمية، حين قال: إن أمريكا مدفوعة الآن نحو مواجهة مهزلة تدار بعناية لتدمير حل الدولتين. وهو ما يجعل إعادة تقييم العلاقات مسألة حتمية. ومن أبرز وأهم نقاط المصالح المشتركة بين أمريكا وإسرائيل اتفاقهما على أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية هو حالة مؤقتة، وأنه سوف يأتي يوم يطبق فيه حل الدولتين. لكن ما يحدث الآن على النقيض من ذلك تماماً. فحكومة إسرائيل تبذل أقصى ما في وسعها لتدمير هذا الحل.

وسبق لفريدمان أن نشر أكثر من مقال في صحيفة نيويورك تايمز، محذراً من التطرف العنصري لحكومة نتنياهو، ووصفه بأن يمثل تهديداً للعلاقات مع أمريكا.

ثم طرح في مقاله الأخير تساؤلاً يقول:

إذا كانت حكومة نتنياهو ستتصرف وكأن الضفة الغربية هي إسرائيل، عندئذ يجب على أمريكا أن تسأل نفسها: لماذا يجب على أمريكا أن تدافع عن إسرائيل في المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية؟

بل وصل الأمر إلى نشر فريدمان مقالاً عنوانه: «إن إعادة تقييم العلاقة قد بدأ بالفعل».

لقد أصبح المشهد محاطاً بالألغاز، والتناقضات غير المفهومة، وهو ما يعيدنا إلى تشبيه مؤرخين أمريكيين لسياسة أمريكا الخارجية بأفلام هوليوود، في رواياتها عن مثل هذه القضايا، والتي تبتعد عن تصوير الحقيقة كما هي، بل تستبدل بها الخيال الدرامي المثير لحيرة من هم على علم بالحقيقة المجردة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mswa69ma

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"