أوروبا تُشرّ ع الموت الرحيم

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

بعد جدل طويل، وافق البرلمان الفرنسي على تشريع الموت الرحيم، 76% من أعضاء المبادرة الوطنية أيدوا مشروع «القتل الرحيم». ويشمل الموت الرحيم أولئك الذين يتناولون بمحض إرادتهم مشروباً مميتاً أو دواءً يصنعه الطبيب لمن يستوفون معايير معينة. وهذا يشمل أيضاً الأطباء من المعالجين الصحيين الذين يقدمون للمرضى الذين يستوفون شروطاً معينة حقنة مميتة، ويأتي ذلك بناءً على طلب المريض.

وقد صدّق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على القانون ليصبح تشريعاً نافذاً في فرنسا وأقاليمها في ما وراء البحار. وأيضاً نجح اللامنتمون في دول مثل هولندا وسويسرا في وضع تشريع للموت الرحيم، وسرعان ما حذت بلجيكا حذوها، فيما أصبحت إسبانيا سادس دولة تسمح بهذا الإجراء. والتشريع سمح لمن كان يعاني مرضاً مزمناً خطيراً، ولا أمل له في أن يشفى، فيجب أن يُستجاب إلى طلبه من منطلق أن خلاصه من الألم لا يكون إلا بوضع حد لحياته. والأسبوع الماضي، قررت محكمة بريطانية إنهاء حياة الطفل أرشي 12 عاماً، بوقف عمل أجهزة التنفس الصناعي، وسوغت المحكمة قرارها بأن دماغه مات بنسبة 95%، ولم يعد قادراً على استعادة الوعي والتنفس.

الموت حتمي في موعده المقدر، وله حكمته الظاهرة والخفية، والتصور الصحيح لحقيقة العلاقة بين الموت والأجل المضروب، سواء من الناحية الوجودية أو من ناحية المعرفة، ويصير الموت عند الإنسان، مشكلة الشعور بالشخصية والذاتية، لإدراك الطابع الأصلي الجوهري للموت، وهو أنه شخصي صرف، ولا يبلغ الشعور بالشخصية والوحدة درجة أقوى وأعلى مما هو في لحظة الموت. ولهذا وجد العلماء أنه كلما كان الشعور بالشخصية أقوى وأوضح، كان الإنسان أقدر على إدراك الموت والتخلص من حياته عندما لا يستطيع أن يتحمل الألم، ويكون السبب الجوهري للموت. وهنا تأتي فكرة الشخصية التي تقتضي بدورها فكرة الحرية، وهنا أن الحرية هي الاختيار. وهنا الموت يقتضي الحرية، وقدرة الإنسان على أن يموت هي أعلى درجة من درجات الحرية، ولهذا عدّ موت المريض الذي لا يمكن شفاؤه، رغم تقدم الطب، أكثر رحمة، إذ يخلصه من عذابه وألمه.

ومن هذا الارتباط بين الموت والحياة للمريض، نستطيع أن نستنتج أن كل المذاهب التي لم تقل بالحرية الشخصية على وجه التحديد، وعن طريق هذا الارتباط بين الحرية والموت من جهة، وبين الحرية وصلة العلة بالمعلول من جهة ثانية. ولذلك وضع هذه التشريعات هو الحرص، من وجهة نظر واضعيها، على توفير ضمانات البقاء والاستقرار، ومنحها استقلال الشخصية واحترام رغبتها والحقوق التي أنشأها لها لا محاباة لذاتها، ولكن لتحقيق الأهداف الكبرى من تكريم الإنسان ورفع الحياة الإنسانية.

وهنا يتطلب من أصحاب الاختصاصات الدينية والطبية التنظيمية، تبين الرأي الطبي بالحكمة والإحاطة والشمول، وبصرف النظر عن أي تقويم أخلاقي، يدل على أن الموت جزء من الحياة وأنه ليس مضاداً لها، فلكي تكون النظرة إلى الموت صحيحة، يجب أن نجعل الموت جزءاً من الحياة. ومع ذلك تجمع الأديان على أن الحياة عطية وهبة من الله، وأنه لا يحق لأحد أن يضع حداً لحياته، غير أن النزعة العلمية التي نزعت نحوها الشعوب الغربية، قد جعلتها تنظر نظرة مختلفة للموت والحياة أو ما يسمى الثقافة الإنسانية أو الواقعية.

وقد رفعت بعض الأديان يدها عن هذه القضية، لتجعل كلمة العلم والطب لها اليد الطولى في هذا الأمر، فما يقرره الأطباء والعلماء يصبح مهيمناً على كلمة الدين وفتاوى علمائه، وهذا يعود إلى مكانة العلم في هذا الدين أو ذاك، ومن هنا قلما نسمع معارضاً لفكرة الموت الرحيم بعد أن قال الطب كلمته، وصدّق عليها علماء الدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2tauh8tf

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"