خطر تدمير المحطات الفضائية

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

تعيش البشرية اليوم، سلسلة من الصراعات والنزاعات العديدة، والتي تتنوع صورها، منها: الحروب العسكرية، والصراعات السياسية، والمنافسات الاقتصادية المحتدمة، والتغيرات الاجتماعية، وهي تجتاح العديد من مناطق العالم، ويأتي في قمة هذه الصراعات، التي تتنوع كذلك؛ فمنها ما هو خفي، ومنها ما هو معلن، وفي القمة من هذه الصراعات، الصراع الدائر حالياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

هذا الصراع الذي يتراوح بين الخفاء والظهور من وقت لآخر، يأتي انعكاساً لتعقيدات إشكالية فكرية قديمة؛ بل إشكالية أزلية رافقت الوجود الإنساني على مر العصور، تكمن في تحديد طبيعة العلاقة بين الدولة والفرد والمجتمع، لكون المجتمع هو الوجود المادي المبدئي الذي يخلق إمكانية تشكل تلك القوة التي تستهدف أكبر قدر من التسلط الذي ينتهك سيادة الدول؛ حيث باتت تجارب تدمير مركبات الفضاء حقاً مشكلة عالمية لا يستطيع أحد مجابهتها، وثمة حاجة إلى أخلاقية عالمية منصفة وتعددية وإنسانية لمجابهة تلك الظاهرة، وتقليل خطرها على المصير البشري.

فقد أطلقت روسيا مؤخراً صاروخاً مضاداً للأقمار الصناعية؛ حيث دمر هذا الصاروخ قمراً سوفييتياً خاصاً بالتجسس يسمى «كوزموس». وقد أعلنت روسيا أنها أجرت تجربة نتج عنها تدمير مركبة الفضاء الروسية التي كانت تدور في مدارها منذ ثلاثة عقود. وعلقت وزارة الخارجية الأمريكية أن نحو 1500 قطعة من الأجسام المدارية خلفت أيضاً مئات الآلاف من الأجزاء الصغيرة، وأن الحطام سيستمر في تهديد الأقمار الصناعية، والأنشطة على محطة الفضاء الدولية؛ وقد أثيرت تلك العاصفة السلبية من قبل دول التحالف الغربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، كما أن أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، قد وصف الاختبار بأنه عمل «طائش» و«مقلق».

وقد أعلن الجيش الروسي، أنه ينفذ أنشطة مخطط لها لتعزيز قدراته الدفاعية، وصنف هذه الأنشطة بأنها ليست خطِرة على المحطات المدارية والمركبات الفضائية وأنشطة الفضاء. وتقول المصادر الأمريكية، إنه عندما مرت محطة الفضاء الدولية بالقرب من سحابة الحطام الذي سببه الانفجار، طُلب من أفراد الطاقم أن يحتموا في مركبة الفضاء سويوز وكرو دراجون المرتبطة بالموقع المداري، كي يتمكن الطاقم من الانفصال والعودة إلى الأرض إذا تضررت المحطة الفضائية من شظايا القمر الصناعي. وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اختبار صاروخ مضاد للأقمار الصناعية، لكنها المرة الأولى التي يثار فيها كل هذا الضجيج.

وتقوم الولايات المتحدة وروسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي السابق، بتطوير أسلحة من هذا النوع منذ الخمسينات. وكانت الولايات المتحدة قد استخدمت صاروخاً أطلق من طائرة مقاتلة من طراز F-15 لتدمير القمر الصناعي العلمي Solwind. 

ويتخوف العلماء من كثرة الحطام الموجود في الفضاء، وأثناء جلسة الأمم المتحدة الخامسة والخمسين للجنة الجمعية الفرعية العلمية والتقنية للاستعمالات السلمية للفضاء الخارجي، في فيينا، قدم تشيو ليو، كبير العلماء المختصين في دراسة الحطام المداري، وأبحاث وعمليات وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» دراسة عن بيئة حُطام الفضاء، وقد جاء في هذه الدراسة «إن الكمية الإجمالية للأجسام المتبقية في مدار الأرض تبلغ أكثر من 7600 طن، ويتم رصد نحو 23 ألف قطعة كبيرة من قبل شبكة مراقبة الفضاء التابعة للقوات الأمريكية. إضافة إلى ذلك، هناك عشرات الملايين من قطع المخلفات الصغيرة جداً التي تحتاج إلى تتبع من قبل الشبكة، لكنها كبيرة لدرجة تهدد الرحلات الفضائية البشرية».

ومما يزيد الطين بلة، أن الدول الكبرى التي تسببت بتلك الكوارث، التي ستؤثر في كوكب الأرض بلا شك، لا تحاول تخليص البشرية من هذه الآثار الضارة، وتحمل تبعات أعمالها في حق البشرية؛ بل إنها تترك الأمر لقوانين الفضاء التي تُخضع ذلك الحطام لعملية دوران أبدية لا تتوقف مهما طال الزمن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mt5zture

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"