فورد النموذج الأمريكي للرئيس القوي

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

الآن، تتعدد الأوصاف التي تطلق على مواقف رؤساء أمريكا من إسرائيل، وحلّ القضية الفلسطينية، منها القول بالاكتفاء بالكلام دون الفعل. ولهذا طرحت مواقع إعلامية وأكاديمية أمريكية تقييماً للرؤساء، أسمت بعضهم بالرؤساء الأقوياء، وسحبت هذا الوصف عن آخرين.

وكان اختيار الرئيس جيرالد فورد، مقصوداً لاكتمال موقفه القوي في مواجهة تاريخية مع إسرائيل. وفورد هو الرئيس رقم 38 في قائمة الرؤساء في الولايات المتحدة. ومن بعد انتهاء رئاسته خصصت مراكز بحوث سياسية وأكاديمية، دراسات عن فترة رئاسته القصيرة، ووصفته بالشخصية المثابرة والثابتة في مواقفها، وتميزه باستقامة مسار سياساته، وأمانته، ومهارته في اتخاذ القرار، واعتبرت مواجهته لإسرائيل عام 1975، موقفاً عالي الكفاءة في صنع القرار. الذي حدث أن فورد وجد نفسه أمام تراجع إسرائيل عن التزامها معه بتحقيق تقدم في مفاوضات فك الاشتباك في سيناء بين مصر وإسرائيل، كخطوة ضرورية لإعادة السلام إلى المنطقة.

كان تعنت إسرائيل مستنداً إلى قوى الضغط اليهودي تتقدمها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الإيباك)، وحشد مناصرين لها في الكونغرس بتوقيع 76 من أعضاء مجلس الشيوخ خطاباً موجها إلى الرئيس فورد يطالبونه بالوقوف إلى جانب إسرائيل. لكن فورد فاجأ الجميع بإعلانه في مارس (آذار) 1975 قراراً بإعادة تقييم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك العلاقة مع إسرائيل، ووصف موقفه بأنه تعبير عن خيبة أمله في تعمد إسرائيل إلحاق الفشل بمهمته من أجل سلام الشرق الأوسط.

وقبل إعلان قراره كان فورد قد كلف وزير خارجيته هنري كيسنجر، ببدء حوار دبلوماسي بين أطراف النزاع، هدفه تحقيق تقدم في العلاقات العربية – الإسرائيلية، وطبقاً لتعليمات فورد، اتهم كيسنجر إسرائيل بالعناد والتصلب في موقفها. إلا أنه من ناحية أخرى – وحسب ما نشرته صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، فإن كيسنجر وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين بأنه لن يوجه اللوم لإسرائيل، في التسبب في تلك الأزمة. وفي حوارهما الشخصي قال كيسنجر لرابين إن الرئيس فورد متصلب في مواقفه.

وقبل اشتعال الأزمة، كان فورد قد طلب من حكومة إسرائيل إبداء المرونة التي تسهل الوصول إلى اتفاق لفض الاشتباك في سيناء. لكن إسرائيل عاندته، ولم تستجب لطلبه، ورغم ضغوط القوى اليهودية الأمريكية على فورد، إلا أنه تمسك بموقفه، وإن موقفه هو تعبير عن مصالح بلاده أولاً.

وأمام هذا الموقف من رئيس قوي، اضطرت حكومة إسرائيل للتراجع عن مواقفها، والقبول بكل ما طالب به فورد. ولم يكن قرار فورد بشأن محادثات فض الاشتباك، سوى بداية لصياغة مسار جديد ومختلف للسياسة الأمريكية في المنطقة، بناء على إعلانه عن إعادة تقييم سياسة أمريكا في الشرق الأوسط.

وحين جرى تحليل هذا التوجه السياسي لفورد، من جانب مؤسسات أكاديمية فإنها أشارت إلى عدم اكتفائه في التعامل مع قضايا المنطقة بالاطلاع على وجهة نظر إسرائيل، بحيث إنه سعى للاقتراب من وجهة النظر العربية في هذا النزاع ومحاولة تفهمها، ولذلك عقد سلسلة من الاجتماعات مع عدد من قادة المنطقة، منهم الرئيس أنور السادات، والملك حسين ملك الأردن، وإسحق رابين، ونائب رئيس وزراء سوريا، وغيرهم. حرصاً منه على أن يكون لديه إلمام تام بالنزاع ودون التحيز لطرف دون الآخر.

ولم تسمح فترة رئاسة فورد القصيرة له بالاستمرار في هذا النهج السياسي، حيث لم يجدد له لفترة رئاسة ثانية، أمام ضغوط قوية داخل حزبه الجمهوري، والتي قادها من داخل الحزب رونالد ريغان الذي صار رئيساً في ما بعد.

ولما كانت عمليات تقييم الأداء السياسي لفورد قد وضعته في قائمة الرؤساء الأقوياء، خاصة فيما يتعلق بالموقف من النزاع العربي الإسرائيلي، فقد شهد التاريخ الرئاسي للولايات المتحدة، قلة ممن وُصِفوا أيضاً بالرؤساء الأقوياء. ضمن قائمتهم أسماء – الرئيس دوايت ايزنهاور الذي أنذر إسرائيل في عام 1957 بالانسحاب من سيناء، بعد مشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر مع بريطانيا وفرنسا. والثاني الرئيس جورج بوش الأب، الذي منع عن إسرائيل معونة قيمتها عشرة مليارات من الدولارات، عقاباً لها على عدم احترامها تعهد رئيس وزرائها له بوقف بناء المستوطنات، ثم بيل كلينتون الذى شارك فى قمة ثلاثية مع ياسر عرفات ونتنياهو، عقدت في منطقة واي بلانتيشن خارج واشنطن، ثم جهز لإعلان مشروع أمريكي لفرض حل للنزاع، لكن إسرائيل واجهته بخطة تآمرية للقضاء على مشروعه، بتجهيز الموساد للفتاة اليهودية مونيكا لوينسكى للقضاء على مشروع كلينتون.

بالطبع هناك حسابات أمام أي رئيس أمريكي، حين يتخذ قراره بشأن كيفية التعامل مع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، منها الضغوط المنظمة والمنسقة للقوى اليهودية، ومنها توفير التمويل للحملات الانتخابية للمرشح للرئاسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yz7ucew2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"