الجواب العربي عن التغيرات الكبرى

03:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو

إذ تطرح مختلف دول العالم وتكتلاته تصوراتها وآمالها بشأن مستقبل ما بعد وباء فيروس «كورونا» الكوكبي، فإنها تطرحها في شكل مكونات فكرية وعقائدية وتغييرات في واقعها هي بالدرجة الأولى.
فالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين وبقية دول الشرق الأقصى وروسيا وغيرها تطرح تصورات مختلفة، بل وأحياناً متناقضة، ستخدم مصالحها ومكانتها العالمية الذاتية في المقام الأول، حتى ولو ذكرت بين الحين والآخر اهتمامها بالمصالح الإنسانية المشتركة. فهي حتماً معنية قبل أي شيء آخر بمجتمعاتها وأوطانها وشعوبها.
من هنا الأهمية الكبرى لطرح السؤال التالي: وماذا عنا نحن العرب؟ هل ستكون لنا رؤية مستقبلية قومية عربية مشتركة، أم ستكون لنا رؤى تعددية متباعدة، وبالتالي بصوت ضعيف وبوزن لا يعيره العالم أي اهتمام أو مبالاة؟
في الخمسينات من القرن الماضي، عندما وضعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تصوراتها حول ما يجب أن يكون عليه العالم، وتقاسمت النفوذ الأممي فيما بينها، كان رد الوطن العربي كله شبه رد واحد في مكوناته الفكرية والاستراتيجية النضالية وتعاضده.
كان رد الدول العربية الرازحة تحت الاستعمار إشعال حروب التحرير من أجل الاستقلال. وكان كل شعب عربي يجد نفسه غير قادر على القيام بعملية التحرير بإمكاناته الذاتية يجد عند كل الشعوب العربية الأخرى دعماً معنوياً ومادياً، وأحياناً مشاركة في النضال المسلح.
وكان هدف الاستقلال الأساسي عند الجميع هو استعادة كرامة وحرية الإنسان العربي، وإخراج المجتمعات العربية من تخلفها التاريخي.
وكان لا بد من طرح فكر ووسيلة نضال للمحافظة على الاستقلال الوطني، وذلك كتمهيد للاستقلال القومي الشامل لكل الوطن العربي، فطرح البعض الطليعي الفكر القومي العروبي المنادي في السياسة بوحدة الأمة العربية وحريتها، وفي الاقتصاد بإعطاء أهمية كبرى للعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة.
وقد تمخض عن ذلك المد العربي تغير جذري في عمل وكفاءة الجامعة العربية لتصبح مؤسسة عربية يحسب لقراراتها في الخمسينات والستينات ألف حساب. كما تمخض عن انخراط الجزء الطليعي من الأمة العربية في حركة عدم الانحياز وفي قيادة العالم الثالث ككتلة مستقلة عن المعسكرين المتصارعين: المعسكر الغربي الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي.
هكذا كان رد الأمة العربية على التغيرات العالمية الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
الآن، والعالم مقبل على تغيرات كبرى والسير في مسارات جديدة، نحتاج أن نطرح السؤال الآتي: بأية ثوابت ووسائل تنظيمية عربية مشتركة وممثلة للأمة العربية سيُسهم العرب في التغيرات العالمية من جهة وفي التغيرات التي سيرضاها العرب لمجتمعاتهم؟ الجواب عن ذلك السؤال سيكون له تأثير بالغ على مدى دخول العرب ونوعه في العالم الجديد الذي سيخلق عالم ما بعد وباء فيروس «كورونا».
ومن المؤكد أن ذلك الجواب سيكون ضعيفاً وبائساً إذا لم يواجه العرب مجتمعين الجحيم الذي تعيشه الأمة العربية حالياً: جحيم الدمار الهائل في عديد من الأقطار العربية، جحيم الانقسامات والصراعات الطائفية والعرقية والقبلية، جحيم الجنون التكفيري العابث بمكانة وقيم الإسلام، جحيم الجهالات المشبوهة عبر طول وعرض شبكات التواصل الاجتماعي العربية، جحيم التخلي عن الإخوة العرب الفلسطينيين في كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني وعنصريته، وأخيراً جحيم الاعتقاد بوجود خلاص فردي لكل قطر عربي، مستقل عن أمته، وقادر على الإبحار في العواصف الاقتصادية والأمنية والسياسية القادمة.
مواجهة التغيرات العالمية الجديدة ككتلة عربية واحدة متعافية هو الجواب، وإلا فسنواجه الطوفان، وقد يغرق بعضنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"