إنجاز تاريخي لرائد الفضاء النيادي

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

لا تنشأ الأوطان من فراغ، ولا تنمو وتزدهر وتتبوّأ مكانتها بضربة حظ أو موقع استراتيجي أوما تحويه أعماقها من خيرات، وإنما تنشأ الأوطان وتتبوّأ مكانتها في صدارة الأمم، بما تمتلك من قيادة لديها رؤية وبصيرة تمكنها من قراءة المستقبل، بعيون استلهمت عِبر التاريخ، وجمعت سير العظماء لتتجسد في شخصية القائد التاريخيّ الذي يُعد علامة فارقة ليس في تاريخ وطنه فحسب؛ بل في تاريخ أمته.

 هذا ما جسّدته شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله، وعضده وشقيقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ففي عهدهما تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازاتها العلمية غير المسبوقة، وخاصة في مجال الفضاء، فبعد وصول «مسبار الأمل» الإماراتي إلى كوكب المريخ مطلع عام 2021، وإجرائه دراسات علمية مكثفة على هذا الكوكب، تُوّج ذلك بإرسال دولة الإمارات أول رائد فضاء في مهمة طويلة وهو سلطان النيادي إلى محطة الفضاء الدولية، وقد شارك بمئتي تجربة علمية، خلال وجوده على متن تلك المحطة. وعاد إلى وطنه ليزفّ البشرى بنجاحه مع فريقه العلمي في المشاريع العلمية التي قاموا بها.

 وبهذه المناسبة الجليلة، عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن سعادته بهذا الإنجاز حيث قال: «صنعتَ مع فرق العمل الوطنية إنجازاً إماراتياً تاريخياً وساهمتم في خدمة العلم والبشرية. بكم جميعاً طموحاتنا في مجال الفضاء كبيرة ومتواصلة، العلم سلاحنا، وجهد أبنائنا ذخرنا، والتوفيق من الله». كما هنّأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، شعب الإمارات بهذا الإنجاز: «نهنّئ شعب الإمارات وجميع الشباب العربي بالعودة السالمة لسلطان النيادي لكوكب الأرض - أول رائد فضاء عربي في مهمة طويلة في محطة الفضاء الدولية».

 تم إطلاق البرنامج الإماراتي للفضاء في إبريل (نيسان) 2017 من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله. وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، والذي يتضمن إعداد رواد فضاء إماراتيين، وخطة لمئة عام تهدف إلى بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول 2117، وإنشاء أول مدينة علمية لمحاكاة الحياة على كوكب المريخ، وإطلاق البرنامج العربي لاستكشاف الفضاء، وهو برنامج لنقل المعرفة والخبرات في علوم وتقنيات الفضاء مع جامعات ومؤسسات الدول العربية، للاستفادة من أبرز العقول العربية في هذا المجال.

إنشاء محطة الفضاء الدولية تم عام 1993 بالتشارك بين الولايات المتحدة وروسيا، ومن ثم انضمت إليهما اليابان والاتحاد الأوروبي وكندا. وتم تصميم هذه المحطة لتكون منشأة بحثية دائمة في المدار. والغرض الرئيسي منها هو إجراء علوم وأبحاث على مستوى عالمي لا يمكن أن توفرها إلا بيئة الجاذبية الصغرى.

نظمت رحلات منتظمة لرواد الفضاء إلى المحطة، ويقضي هؤلاء الرواد يومهم في العمل على تجارب علمية تتطلب تدخلهم. كما يقومون بمراقبة التجارب التي يتم التحكم فيها من الأرض. ويشاركون أيضاً في تجارب طبية لتحديد مدى تكيف أجسامهم مع الجاذبية الصغرى لفترات طويلة من الزمن. وقد تم على متن المحطة إنتاج بلورات البروتين من أجل البحث في إمكانية صناعة أدوية للبشر، تكون أكثر قوة وفاعلية في مواجهة الأمراض الخطيرة ولا سيما أمراض القلب. كما تم زرع نباتات على متن المحطة لإفساح المجال للعلماء لمراقبة نموها وتطورها في ظروف الجاذبية الصغرى، والبحث في إمكانية زراعة نباتات على الأرض تكون أقوى وأكثر مقاومة لظروف المناخ. كما أن تجارب زراعة النبات تعطي للباحثين أفكاراً حول كيفية إطعام رواد الفضاء في مهمات طويلة المدى خارج مدار الأرض المنخفض. وبفضل الأبحاث على النباتات المزروعة في الفضاء، فقد تم اختراع جهاز لقتل الجمرة الخبيثة. كما يتم أيضاً إجراء دراسات على رواد الفضاء أنفسهم، في محاولة لتحديد تأثيرات الجاذبية الصغرى على العظام والأنسجة البشرية.

 لا شك أن مشاركة دولة الإمارات في تلك الأبحاث العلمية المتقدمة، سوف تجعلها على قدم المساواة مع الدول المتقدمة، وبذلك تكون الدولة العربية الأولى التي تخترق ذلك الجدار، وتدخل إلى عالم الفضاء، وتنخرط في استكشاف ذلك المجهول ومعرفة أبعاده، وتحليل البيانات، ورصد الظواهر الفضائية المختلفة، والاستفادة من منجزات الفضاء في رفد اقتصادها، وتطوير قدراتها المختلفة لتبقى دائماً وفيّة لمبادئها وراسخة في تحقيق تطلعات قادتها ورؤيتهم المستقبلية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"