هيبة الشعر

22:13 مساء
قراءة دقيقتين

محمد عبدالله البريكي

على الرغم من أن الشعر العربي ظل محافظاً على حضوره في وجدان العرب، ملتحماً بمشاعرهم، ومتلمّساً أحاسيسهم وقضاياهم الكبرى، فإنه ظلَّ يمرّ بمنعطفات كثيرة، ويتعرّض لهزّات تمسّ قيمته في ذلك الوجدان، وكلها تعود إلى عوامل وأسباب قد تكون لأهله يدٌ فيها؛ ولعلّ أهم ما يتعرّض له الشعر العربي الذي ظلّ متوهّجاً في العصر الجاهلي، وما تلاه من عصور، حتى وصل إلى العصر الحديث، هو محاولة التقليل من شأنه وحضوره في الوجدان العربي، ويتضح ذلك بما يتبنّاه بعضهم، من ادّعاءات بأن الشعر بصيغته الأصيلة لم يعد صالحاً، وأن تراثه لا يتوافق مع ما يمرّ به العالم من تسارع وتطوّر.

وقال البعض إن بنية الشعر التقليدية عائق، وتقيّد اللغة وتمنعها من الانطلاق في مضمار الحداثة: فمال بعضهم إلى أجناسٍ أخرى وأشكالٍ انبهروا بها، فأرادوا من الشعر العربي أن يتخلّى عن بنائه الأول، ويبتعد عن تراثه؛ بل وصل ببعضهم، إلى المناداة بهدم التراث، وكأنه أصنام، وهو ما أثر في حضوره في المناهج، وغاب شيئاً فشيئاً عن الناشئة التي لم تعد تتربّى على كنوزه، ولا على شدوه وشجوه وموسيقاه، وحلّت محلّ كل هذا كتابات وإن كنّا نثمّن مشاعرها، فإنها تماهت مع الآخرين، ولم تعد تتميز بأصالة وهوية وتاريخ، وهذه هي أهم السدود والموانع التي تصدّ الهجمات الشرسة التي تحاول أن تطمس حضوره في وجدان الأمة.

ليس العيب في تجريب أشكالٍ أدبية أخرى، ولا التثاقف مع الآخر، إنّما المشكلة تكمن في تبنّي بعضهم فكرة رجعيّة الشعر العربي وتخلّفه، وفي محاربته بوسائل مختلفة.. أضف إلى هذه العوامل ما تفعله بعض المؤسسات من إبعاده عن الذائقة والجمهور، بتقديم نماذج تسيء إلى جماله ودهشته في الملتقيات والأمسيات التي تسمّى مجازاً «شعرية»، وكذلك في آلية تقديمه وطريقة عرضه، وجزءٌ من هذه العقبات يتعلّق بمن يكتبونه، ولا يولونه أهمية يستحقها، ويستسهلون كتابته بتقديم نماذج خطابية نظمية خالية من الصورة والخيال والانزياح والرمز، ومن إصدارات تنسب إلى الشعر، وهو منها براء، وهو ما أتاح لمهاجميه فرصة النيل منه، واتّهامه بعجزه عن صنع الدهشة والتحليق.

لكنّني على ثقة بأن الشعر قد يمرض في مرحلة ما، لكنه لا يموت، وهناك مشاريع ثقافية كبيرة، ومبادرات جليلة لمن هيّأهم الخالق ليكونوا أنصاراً للثقافة والأدب والشعر، وليس ببعيدٍ عنّا ما تقوم به إمارة الشارقة من جهود في سبيل خدمة القصيدة وحراستها، ضمن المشروع الثقافي الكبير الذي يرعاه صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، ومن ضمن مبادراته الكبيرة «بيوت الشعر» التي أعادت الهيبة إلى الشعر، ومنحته قيمته، عبر المنابر الكثيرة التي هيّأت الأحوال للطاقات الإبداعية، ومنحتها وهجاً وضوءاً ساطعين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mkjbfk9b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"