تمديد التواجد التركي

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

ثلاثمئة وسبعة وخمسون عضواً من أعضاء البرلمان التركي والبالغ عددهم ستمئة نائب صوتوا لصالح المذكرة التي تقدمت بها الحكومة التركية بطلب تفويضها بإرسال قوات إلى شمالي سوريا والعراق، لمدة عامين إضافيين، فيما رفض مئة وستة وأربعون نائباً مذكرة الحكومة.

وبحسب ما نقل عن وسائل الإعلام التركية أيدت مذكرة الحكومة أحزاب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية، إلى جانب أحزاب «الجيد»، و«الديمقراطية والتقدم»، و«السعادة» و«المستقبل» المعارضة، فيما رفضها حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، وحزب «المساواة والديمقراطية الشعبي»، المؤيد للأكراد، الذي يرفض العمليات العسكرية التركية في سوريا والعراق.

وتبرر الحكومة التركية طلبها بوجود ما تسميه المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي التركي، بسبب التطورات في المناطق المتاخمة للحدود الجنوبية لتركيا وبيئة الصراع المستمر، في هذه المنطقة.

وقد يرى البعض في الموقف التركي استجابة للمصالح التركية، بحجة دفع تلك المخاطر التي تتحدث عنها أنقرة، لكن من الغرابة تقبّل فكرة احتلال أراضي الآخرين، بحجة ذرائع من السهل تسويقها، في ظل عالم ضاعت فيه القوانين، وتسيّده منطق القوة، وفرض الأمر الواقع، إذ لا يمكن اعتبار الاحتلال العسكري لأراضي دولة أخرى بحجة وجود تنظيمات معادية لها أو أي سبب آخر مبرراً للاحتلال وذلك وفقاً للقانون الدولي، حيث يحمي ميثاق الأمم المتحدة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحق الدول في الحفاظ على سيادتها وأراضيها. ويعتبر الاحتلال العسكري انتهاكاً صارخاً لهذه الحقوق.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ألا يعني دخول قوات أجنبية إلى بلد آخر، وغزوه بالقوة العسكرية خرقاً للسيادة الوطنية؟، وإذا لم يكن ذلك مساساً بالسيادة الوطنية، فما هو إذاًَ المساس بسيادة الدول وانتهاك حرمة أراضيها؟.

طبعاً تركيا كغيرها من الدول التي تستبيح حرمة وسيادة الأراضي السورية والعراقية، تحمل نفس اللافتة التي تحملها الأطراف الخارجية التي أقحمت نفسها في الأزمة السورية، ولا سيما الولايات المتحدة، وهي لافتة محاربة الإرهاب، وهو الشعارالذي بات الأسهل والأكثر استعمالاً عندما يتم الاعتداء على هذه الدولة أو تلك، في وقت لا يوجد فيه حتى تعريف دقيق لمصطلح الإرهاب، الذي صار مصطلحاً مطاطياً يفصّل بمقاسات مستخدميه.

فالحجة في وجود القوات الأجنبية الغربية في سوريا والقواعد العسكرية الأمريكية، في منطقة تمثل سلة الغذاء والطاقة السورية، هو الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق.

واللافت هنا مطالبة الحكومة التركية تفويضاً من البرلمان بإرسال قوات إلى شمالي سوريا والعراق، لمدة عامين إضافيين، وهي مدة زمنية ليست قصيرة تحمل الكثير من المعاني، وتشير إلى استمرار الأزمة السورية والمشاكل العالقة مع العراق أيضاً، والتي تندرج كلها تحت ملف الإرهاب، زد على ذلك أن الخطوة التركية تأتي في وقت يستمر فيه الصراع في الشمال السوري، ويتدحرج هناك من منطقة إلى أخرى، حيث تستهدف القوات التركية مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» ( قسد ) المدعومة أمريكياً.

ولا بدّ من القول هنا، إن حل الأزمة السورية لا يأتي من خلال زيادة القوات الأجنبية على الأراضي السورية، وتحويل البلاد إلى مناطق نفوذ بين هذه القوات على اختلافها، وإنما يأتي من خلال خطوات سياسية جادة تضع في أولوياتها ضرورة إفساح المجال لحوار وطني سوري صادق وجاد، بعيداً عن التدخلات الأجنبية، يسهم في بناء الثقة ويهيئ الأجواء لحل الأزمة، وإلا فإن الأزمة السورية ستظل تراوح في مكانها وتبقى أزمة مزمنة، وساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، الخاسر الأكبر فيها الشعب والوطن السوريان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jcnuyk2h

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"