المغرب العربي والمشروع المتوسطي

04:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

احتضنت جزيرة مالطا يوم الجمعة 5 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري قمة لدول جنوبي أوروبا وهي فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال ومالطا، إضافة إلى دول المغرب العربي (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا)، وهي المجموعة التي عرفت منذ تأسيسها بمجموعة 5+5، وظلت تمثل فضاءً للتشاور السياسي والاقتصادي بين هذه الدول قبل أن يطلق الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، مشروعه الطموح الذي كان يهدف إلى جمع كل دول حوض البحر الأبيض المتوسط في اتحاد مشترك مع الدول الأوروبية، أطلق عليه اسم الاتحاد من أجل المتوسط .

غير أن التطورات الكبيرة التي عرفتها المنطقة وفي مقدمها الثورات العربية التي حدثت في شمالي إفريقيا، أسهمت في تغيير الكثير من المعطيات المتعلقة بهذا المشروع المتوسطي، الأمر الذي اضطر الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند إلى العودة إلى الصيغة القديمة للتجمع المتمثلة في مجموعة 5+،5 خاصة بعد رحيل ساركوزي ونائبه السابق الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك اللذين كانا يمثلان قطب الرحى في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، الذي أجمع المحللون على أنه أضحى في وضعية هي أشبه ما تكون بالموت السريري . ومن المستبعد بالتالي أن يشهد مشروع ساركوزي انطلاقة جديدة، لأنه يضم مجموعة كبيرة من القوى الإقليمية والدولية الكبرى التي تحمل أجندات مختلفة وأحياناً متناقضة، كما أن إمكان أن تكون #187;إسرائيل#171; عضواً فعالاً في هذا الاتحاد كان يثير في السابق تحفظ ورفض الأغلبية الساحقة من الدول العربية التي كانت ترى في هذا الحضور مقدمة لفرض التطبيع السياسي مع هذه الدولة المارقة، وقد جاءت الثورات العربية لتُحوِّل المواقف العربية المتحفظة إلى مواقف رافضة بالمطلق لفكرة الانضمام إلى أي تجمع سياسي أو اقتصادي يضم حكومة تل أبيب .

من الواضح إذاً، أن القيادة الفرنسية الجديدة تسعى إلى إعادة تنشيط مجموعة 5+5 مع التفكير الجدي في دعوة مصر إلى حضور الاجتماعات المقبلة لهذه المجموعة، نظراً للدور الريادي الكبير الذي تضطلع به مصر في المنطقة العربية . وتسعى فرنسا أيضاً إلى تنشيط الحوار الأوروبي المتوسطي بالاعتماد بشكل أساسي على ما يمكن أن يوصف بالدبلوماسية الاقتصادية، في منطقة تشهد تحولات عميقة أسهمت إلى حد بعيد في نشر ضباب كثيف بات يحجب الرؤية الواضحة أمام الفاعلين الاقتصاديين، وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تتضح الصورة وتنجلي المشاهد الحقيقية للعهد الجديد .

وهناك في كل الأحوال مشاريع كثيرة تريد الأطراف المختلفة وفي مقدمها الدول الأوروبية، أن تجسدها من خلال هذه الشراكة المتوسطية، خاصة في مجال الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية والدفاع والأمن والتعاون الثقافي . لكن هذه المشاريع ستظل حبراً على ورق مادامت الخلافات بين دول المجموعة كبيرة، فقد أشارت تقارير عديدة إلى أن الأزمة الأمنية التي تعصف بشمال مالي عكرت صفو اجتماع مالطا الأخير، وتميّز اللقاء السريع الذي جمع الرئيس الفرنسي بالوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، بكثير من البرود نظراً لتضارب موقف البلدين بشأن الملف المالي، حيث تسعى باريس إلى استصدار قرار أممي يسمح لدول غربي إفريقيا بالتدخل في شمالي مالي من أجل القضاء على المجموعات المسلحة التي تسيطر على منطقة بحجم دولة في هذا البلد الإفريقي، بينما تدافع الجزائر في مقاربتها لهذه الأزمة، عن خطة تعتمد على الحل الدبلوماسي والسياسي، من أجل حل هذه الأزمة حتى لا يتحول شمالي مالي إلى أفغانستان جديدة تستقطب كل العناصر الجهادية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد الاستقرار والوحدة الترابية لكل من الجزائر وليبيا وموريتانيا .

المسألة الثانية التي تجعل من قمة ماطا مجرد اجتماع روتيني، تتمثل في الخلافات التي مازالت تعرقل مسيرة الاتحاد المغاربي ليس فقط بسبب النزاع في منطقة الصحراء الغربية، ولكن نتيجة لمسار التحولات التي تعرفها دول مثل تونس وليبيا، مسار يجعلها تنفق وتركز كل جهودها من أجل دعم الاستقرار ومباشرة عملية التنمية على مستوى جبهاتها الداخلية . وعلاوة على ذلك فإن العلاقات المغاربية نفسها لا تتعدى مستوى العلاقات البروتوكولية، نتيجة لغياب استراتيجية حقيقية تهدف إلى حل المشكلات الثنائية بين دول المنطقة، وبعث التعاون الاقتصادي والثقافي بشكل يسمح لها بمخاطبة الطرف الأوروبي انطلاقاً من مواقف منسجمة ومتناغمة تخدم مصالح شعوب المغرب العربي .

ويمكن القول عطفاً على ما سبق، إن مثل هذه المنتديات السياسية ستظل جزءاً من حملة علاقات عامة، ما دامت دول شمال البحر المتوسط وجنوبه تفتقد إلى مقاربة واقعية لملفات المنطقة، فأجندات دول الجنوب تختلف كثيراً وربما بشكل جذري عن أجندات دول الشمال، كما أن فرنسا التي تقود دول أوروبا المطلة على البحر الأبيض المتوسط لا تسعى إلى إنجاز شراكة متوازنة وحقيقية مع دول المنطقة، بقدر ما تريد أن تحافظ على نفوذها التاريخي الذي أضحى مهدداً نتيجة المنافسة التي تشهدها المنطقة ما بين العملاقين الأمريكي والصيني .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"