عادي

استفتاء القلب.. حق لا يملكه الجميع

23:45 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

اختلطت المفاهيم لدى بعض الناس في الآونة الأخيرة، وظهر بعض أدعياء العلم الديني الذين ينصحون الناس باستفتاء قلوبهم وعدم الأخذ بما لا يستريحون له من فتاوى المؤسسات الدينية أو علماء الفتوى، وحجتهم في ذلك حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك». وهذا ما دعا دار الإفتاء المصرية إلى التحذير من الانسياق وراء دعوات استفتاء القلب، مؤكدة أن الفتوى مسؤولية علماء الشرع وواجب المسلم في كل مكان الرجوع إليهم.

ما حقيقة استفتاء القلب؟ وهل يجوز للمسلم أن يترك آراء وأقوال العلماء ويأخذ بما يستريح له قلبه وضميره؟ هذا ما تجيب عنه السطور التالية.

د. شوقي علام

يؤكد د. شوقي علام، مفتي مصر رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الفتوى بيان للحكم الشرعي في واقعة معينة، سواء كانت لفرد أو أمة، مع مراعاة تصحيح أفعال الناس وفق الضوابط الشرعية والمقاصد المرعية في ما يتناسب مع واقع عمومهم وأحوالهم، فلا تذهب بهم مذهب التشدد والغلو، ولا تميل بهم إلى طرف التفلت والتفريط.

ويوضح د. علام أن عبارة «استفتِ قلبك» لا تعني أن يختار الإنسان لنفسه ما يشاء دون علم؛ لكنه إذا خُيِّر بين أمرين صحيحين من عالمٍ حق، فعليه أن يستفتي قلبه في أي الرأيين يكون مناسباً لحالته، وأن الحالة التي يستفتي فيها المؤمن قلبه دون الرجوع لأحد، هي عندما لا يجد من العلماء الصالحين من يفتيه في أمر دينه ويوضح له ما خفي عليه من الأحكام الشرعية، وهذا نادر.

ويطالب مفتي مصر بأن يرجع كل مسلم إلى علماء الفتوى للتعرف إلى ما خفي عليه من حكم الشرع في ما يواجهه في حياته اليومية، موضحاً أن هذا الرجوع أصبح ميسراً في ظل تنامي وسائل التواصل والاتصال، وفي ظل وجود عدد هائل من فتاوى العلماء المتداولة عبر الصفحات الرسمية لجهات الفتوى، والمؤسسات الإسلامية، وفيها كل ما يخص المسلم في أمور العبادات والأحكام الشرعية.

ويضيف: العلماء كثيرون في زماننا، سواء في المؤسسات الدينية الرسمية أو الأهلية أو في الجامعات المعنية بأمور الشريعة، ولذلك واجب المسلم أن يرجع إليهم ويستفتيهم في أمور دينه. وإذا ما وجد المسلم نفسه أمام اجتهادين ولا يعرف أيهما أدق، فحينها يستفتي قلبه ويعمل بما يرتاح له، ولكن أيضاً عن علم بالله عز وجل ومعرفة بدينه، فليس هناك استفتاء للقلب دون علم، وهذا خطأ يقع فيه الكثيرون، وترك سؤال العلماء المعتبرين كلياً هو مخالف للمنهج النبوي، فقد سأل الصحابة الكرام النبي، صلي الله عليه وسلم، وسأل التابعون الصحابة، وهكذا استمر حال الأمة إلى يومنا.

ويحذر مفتي مصر من خطورة ترك الأحكام الشرعية لأهواء الناس، ويقول: الفتوى الشرعيَّة النابعة عن فهمٍ صحيحٍ للنصوص وإدراكٍ حقيقي للواقع، ركيزة أساسية في استقرار أحوال الناس النفسية والأسرية والاجتماعية وفي كل شؤون الحياة. ولذلك ينبغي أن تكون الفتوى مستندة إلى أدلة وبراهين شرعية صحيحة، حتى تسهم في مسيرة البناء والعمران القائمة على العلم والعمل والإتقان، وذلك لما تقوم به من دورٍ كبيرٍ في إرشاد الأمة وتوجيه أفرادها نحو المساهمة الجادة والمنضبطة في تحقيق أحكام الإسلام ومقاصده، مع مراعاة سمات التحضر واتِّباع الوسائل التي تؤدي إلى عمارة الأرض ونشر الرخاء والتنمية.

احذروا فوضى الإفتاء

د.علي جمعة

يحذر د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، من شيوع مفهوم «استفتاء القلب» بين عامة الناس، ويقول: لو جاز الاستفتاء بين الذين يمتلكون ثقافة شرعية، وقدرة عقلية على التمييز بين الاجتهادات وأدلتها الشرعية، فلا يجوز بين عامة الناس، فهؤلاء يجب أن يعودوا إلى علماء الأمة في مناطق وجودهم للتعرف إلى أحكام الدين منهم. ولا يجوز أن يستقي إنسان فتوى من عالم دين في بيئة معينة ويطبقها على نفسه، فالفتوى تختلف باختلاف البيئات.

ويوضح د. جمعة أن استفتاء القلب يكون في الأمور الاجتهادية التي تتعدد حولها آراء العلماء، ولا يجوز في المحسومة شرعاً. ويقول: في الأحكام الاجتهادية المتغيرة والتي تمثل المساحة الأكبر في شريعتنا الإسلامية، يجوز استفتاء القلب بعد الرجوع إلى العلماء وشعور الإنسان بالحيرة والتردد بين أكثر من رأي، فهنا يجوز له أن يأخذ بما تستريح نفسه. وفي الأمور الثابتة شرعاً، مثل الفرائض والواجبات الدينية، لا يصح استفتاء القلب، وواجب المسلم أن يقول لأحكام الشرع الثابتة من عبادات ومعاملات: «سمعاً وطاعة».

ويرى مفتي مصر السابق، أن «كثرة الفتاوى ليست دليل تقوى وورع وحرص على الدين، فبعض الناس يسأل ليحصل على مبرر شرعي لسلوكاته وتصرفاته وقناعاته، وهذا الصنف من الناس تراه يجادل العلماء ويناقشهم ويقدم لهم المبررات ويسوق لهم المسوغات لتصرفاته، فهو لا يقتنع بما يقوله له الذين يستفتيهم، ولذلك فهو لا يستفيد منهم وليس حريصاً على معرفة الحلال والحرام».

ويضيف: الغريب والعجيب أن يسأل بعض الناس عن موقف الشرع في أمور حياتية ويسمع الإجابة ولا يعمل بها، وهذا يرجع إلى ضعف الوازع الديني في نفوس الناس، ومع ذلك نرحب بكثرة برامج الفتاوى في كل وسائل الإعلام، ونؤكد ضرورة انتقاء العلماء المؤهلين للفتوى، كما نطالب الجماهير بعدم اللجوء إلى هؤلاء الذين أدمنوا الفتوى في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل دون أن يتأهلوا لها.

وحول استفتاء كثير من الناس لخطباء المساجد لمعرفة الأحكام الشرعية يقول د. علي جمعة: كثير منهم يفتون في أمور الدين بحكم ثقافتهم الشرعية الواسعة، ونتطلع إلى أن يكون لديهم كلهم الثقافة التي تمكنهم من القيام بواجب الإفتاء.

ليس كل خطيب مسجد يصلح ليكون مفتياً، وعلى السائل مسؤولية أن يبحث عن العالِم المؤهّل القادر على أن يوضح له حكم الله ورسوله في ما يسأل، وعلى المفتي، وهو هنا خطيب المسجد أو الداعية، ألا يفتي في ما لم يدرك كل حقائقه، وليس عيباً أن يقول «لا أدري» وأن يحيل السائل إلى من هو أعلم منه.

ويطالب بأن يتصدى للفتاوى المتخصصون الذين يمتلكون القدرة على الإفتاء، ويحمّل المستفتي الذي يذهب بسؤاله إلى غير المؤهلين، ووسائل الإعلام من محطات تلفزيونية وصحف ومواقع وغيرها، مسؤولية إتاحة الفرصة لهؤلاء؛ بحثاً عن الإثارة ولو على حساب الدين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mry2anvp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"