عادي
نحن والآخر

واجبات المواطنة لغير المسلمين

23:36 مساء
قراءة 4 دقائق
4

لا شك في أن المواطنة في الإسلام تستوعب جميع المواطنين، على اختلاف عقائدهم، ما داموا تحت مظلة الدولة الإسلامية، كما أن الإسلام يضمن لكل المواطنين حقوقهم وحرياتهم في دولته، انطلاقًا من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم: 22).

أقرَّ الإسلام للآخر حقوق المواطنة منذ أول دستور للدولة الإسلامية، وضعه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعد هجرته إلى المدينة المنورة، من أجل تنظيم العلاقة بين جميع طوائف الشعب من مسلمين ويهود، وحفظ حقوقهم، ألزم هذا الآخر بواجباتٍ، كما ألزم غيره من مواطني الدولة المسلمين، حيث لا فرق بين مسلمين وغير مسلمين في حقوق وواجبات المواطنة، وكان مما جاء في هذا الدستور المعروف باسم «صحيفة المدينة»: «المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين... وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين... وإنه مَن تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين... وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم... وإن النصر للمظلوم... وإن بينهم النصر على مَن دهم يثرب».

ويتبين من نصوص هذه الصحيفة أنها تضمنت قضايا المواطنة وحقوق المواطنين وواجباتهم، مع الاتفاق على إنشاء تحالف عسكري بين جميع طوائف المدينة، لردع أي اعتداء على المدينة، كما تضمنت مبدأ الوحدة الوطنية بين جميع المواطنين، فواجب عليهم التعاون من أجل مصلحة الوطن بإبداء الرأي والنصيحة والمشاورة فيما بينهم، إضافة إلى ترسيخ مبدأ التعاون الاقتصادي بين طوائف الشعب خاصة في حالة محاربتهم الأعداء، من أجل دعم الدولة ومؤازرتها اقتصاديّاً وعسكريّاً. كما رسخَّت بنود الصحيفة لمبدأ المسؤولية الفردية؛ فكل فرد مسؤول عن تصرفاته الخاصة وسلوكه الجنائي، تطبيقاً للمبدأ الإسلامي في قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (فاطر: 18)، وقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: 38).

وعن أهم واجبات المواطنة الخاصة بالآخر من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، والتي نصت عليها «صحيفة المدينة»، والتي لاتزال كما هي واجبات المواطنة في العصر الحاضر، يؤكد د. عبدالعالي بوعلام، الأستاذ بالمركز الجامعي «غرداية» بالجزائر، في بحثه بعنوان: «قراءة في حقوق وواجبات المواطنة من خلال وثيقة المدينة المنورة»، أن واجبات المواطنة تركزت في 3 أمور:

الأول: الإخلاص للدولة وحسن الولاء لها، وعدم خيانتها؛ لأن الخيانة لها تعتبر من أكبر الخسائر. والثاني: الدفاع عن الوطن، حيث إنه واجب مقدس؛ لأن الوطن للجميع، والخير والشر يعم الجميع، وهذا الدفاع يتطلب التضحية بالنفس والمال، وإذا تخلى المواطن عن واجب الدفاع وجب عليه دفع الفدية أو الضريبة المسماة في القرآن الكريم بالجزية، فإذا عجز أو كبرت سنه سقطت عنه. أما الأمر الثالث فهو: احترام نظام الدولة ودستورها؛ لأن هذا يحقق الأمن الاجتماعي ويمنع انتشار الفوضى ويجلب الطمأنينة. هذا إضافة إلى التزام المواطن بواجباته الدينية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية والصحية والثقافية.

ونظراً لأهمية موضوع مواطنة غير المسلمين في الدول الإسلامية، كان مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، ومقره المملكة العربية السعودية، قد أصدر قراره رقم 209 بشأن حقوق وواجبات المواطنين غير المسلمين في الدول الإسلامية، ومدى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، جاء فيه: أنه بعد اطلاع المجمع على البحوث المقدمة إليه بخصوص موضوع حقوق وواجبات المواطنين غير المسلمين في الدول الإسلامية، ومدى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، قرر ما يأتي: الشريعة الإسلامية تكفل لغير المسلمين المقيمين في الدولة الإسلامية حقوقهم العامة والخاصة، التي تكفلها للمسلمين، فلهم ما للمسلمين المواطنين وعليهم ما عليهم، فهم متساوون في الحقوق والواجبات. كما أن لهم حق تحكيم شريعتهم في عباداتهم وأحوالهم الشخصية، ويجوز تعيين قاض منهم للحكم فيما بينهم، وتنفذ الدولة أحكامه، وفيما عدا ذلك يطبق قانون الدولة. وأضاف القرار أنه يجب على غير المسلمين المقيمين في البلاد الإسلامية، ما يجب على المسلمين من مراعاة النظام العام والآداب العامة في الدولة، وعدم ارتكاب ما يخالفه، وأن يكون ولاؤهم للدولة التي يقيمون بها، وينتسبون إليها.

وثيقة الأزهر

في السياق ذاته، كان الأزهر الشريف قد أصدر وثيقة تاريخية حملت عنوان: «إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك»، وكان أول مبدأ أكده الأزهر في هذا الإعلان أن المسلمين والمسيحيين أخوة في الإنسانية، وشركاء في الوطن، وجميعهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وأن «المواطنة» مصطلح أصيل في الإسلام، وقد شَعَّتْ أنواره الأولى من دستور المدينة وما تلاه من كتب وعهود النبي الله صلى الله عليه وسلم، التي يحدد فيها علاقة المسلمين بغير المسلمين، والتي تقوم على أساس التعددية الدينية والعرقية والاجتماعية، وهي تعددية لا يمكن أن تعمل إلا في إطار المواطنة الكاملة والمساواة، والتي تمثلت بالنص في دستور المدينة على أن الفئات الاجتماعيةَ المختلفة ديناً وعرقاً هم أمة واحدة من دون الناس، وأن غير المسلمين لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.

وأكد «إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك» أن الأزهر ومجلس حكماء المسلمين ومسيحيي الشرق يلتقون دائماً على الإيمان بالمساواة بين المسلمين والمسيحيين في الأوطان والحقوق والواجبات، باعتبارهم أُمة واحدة، للمسلمين دينهم، وللمسيحيين دينهم، اقتداءً بما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم، في دستور المدينة، وأن المسؤوليات الوطنية مشتركة بين الجميع، مشيراً إلى أن أول عوامل التماسك وتعزيز الإرادة المشتركة يتمثل في الدولة الوطنية الدستورية القائمة على مبادئ المواطنة والمساواة وحكم القانون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ahs44rp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"