عادي

«الكتاب» ..أشهر مراجع النحو

00:53 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

إمام النحاة أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسِيبَوَيْه (148ه / 180ه - 765 / 796م)، هو أشهر علماء النحو على الإطلاق، لأنه أول من بَسّط هذا العلم في كتابه «الكتاب»، وُلد في قرية البيضاء في بلاد فارس (إيران)، ونشأ بالبصرة بعد أن رحلت أسرته إليها.

سمّي سيبويه لأن أمه كانت تُرقّصه وتقول له ذلك، ومعنى سيبويه «رائحة التفاح»، وقد اتجه في بداياته إلى دراسة الفقه والحديث حتى خطّأه حَمَّادُ بن سَلَمة البصري في مسألة نحوية، ليقرر الاتجاه إلى تعلم النحو.

درس سيبويه على العديد من الشيوخ، من بينهم: حماد بن سلمة، والخليل بن أحمد الفراهيدي، ويونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، ولم يكن لسيبويه تلاميذ كثيرون، لأنه مات في ريعان شبابه، ومن أهم من تتلمذوا عليه: أبو الحسن الأخفش، وقُطْرب.

فرادة

كتاب سيبويه «الكتاب» هو أول كتاب ألف في النحو العربي، وقد جمع فيه مؤلفه العديد من علوم اللغة العربية، كالنحو والصرف والأصوات اللغوية، ولم يظهر ما يثبت أنه اعتمد على كتاب قبله في ذلك التصنيف، يقول أبو جعفر النحاس: «لم يزل أهل العربية يفضلون كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر؛ المعروف بسيبويه، حتى لقد قال أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المعروف بالمُبَرِّد: لم يُعمل كتابٌ في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه، وذلك أن الكتب المصنفة في العلوم مُضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَن فَهمه إلى غيره»، وذلك ما جعل بعض الباحثين يشكّكون في نسبته إليه بسبب حداثة سنِّه، وهو ما ثَبتَ عكسه تماماً بصحّة نسبته إليه.

ولكن المُطّلع على الكتاب يكتشف مباشرة أن سيبويه عَمِله من دراسته واستنتاجاته، وما تعَلّمه من شيوخه، حيث يشير إلى نقله عنهم، فمثلاً، حين يورد عبارة «سألته» أو «قال» أو «أنشدنا» فهو يعني الخليل الفراهيدي، ومن الغريب أن سيبويه تمَيّز عن سواه من المُؤلفين بأنه لم يُسمِّ كتابه كما كان يفعل من سبقه أو عاصره من العلماء، وربما يكون ذلك هو السبب في وضع متداوليه لاسمه هكذا «الكتاب»، يقول عبد السلام هارون: «وقد يكون أعجل عن تسميته بأنه احتضر شاباً فلم يتمكن من معاودة النظر فيه واستتمامه».

لم يُضمن سيبويه كتابه مقدمة ولا خطبة ولا خاتمة، لكنه اعتمد في إحكام مضمونه على عدة أمور، من أهمها: الاستشهاد بالقرآن الكريم باعتباره قمة الفصاحة والبلاغة في اللغة العربية، ولكونه مَصُوناً عن التغيير، مع قلة الاستشهاد بالأحاديث النبوية، لأن الكثير منها رُوِيَت بمعناها دون التأكد من صحة لفظها، ثم الاستشهاد بالشعراء، والاستشهاد بأمثال العرب، وكلام فُصحائهم، وكان يوجز في العبارة أحياناً، ما يجعلها غامضة، بحيث يحتاج القارئ إلى الوقوف عند الكثير منها طويلاً ليعرف المعنى الذي يريد سيبويه إيصاله، كما عرض القواعد وأمثلتها ممزوجة بالتعليلات، وبيَّن وجوه القياس، وقدَّم الآراء المختلفة في المواضع التي تحتاج إلى ذلك، مُفضِّلاً بعضها على بعض، واجتهد في تقديم بعض الافتراضات، مُعلّلاً إياها بأحكام أحياناً.

وقد قسم «الكتاب» إلى قسمين، خصّص الأولَ للنحو، أما الثاني فقد خصصَّه للصرف، وذلك في عدة أبواب، تناول فيها عدة مواضيع، مثل: علم الكَلِم من العربية، ومجاري أواخر الكَلِم (النصب، والجر، والرفع، والجزم، والفتح، والضمّ، والكسر، والوقف)، والمسند والمسند إليه، واللفظ للمعاني، وما يكون في اللفظ من الأعراض، والاستقامة من الكلام والإحالة، والأفعال، والمصادر، إلى غير ذلك من المواضيع النحوية والصرفية.

اهتمام

أثار «الكتاب» اهتمام القدماء والمحدثين، فدرسوه وشرحوه وناقشوه وعلقوا عليه واختصروه، حيث لم يحظ أي كتاب بما حظي به هذا الكتاب من اهتمام لدى العلماء وأهل اللغة والدارسين، منذ تأليفه وحتى عصرنا هذا، فأشاد به كثيرون، ومن ذلك قول الجاحظ عنه: «لم يكتب الناس في النحو كتاباً مثله وجميع كتب الناس عليه عيال»، وقول السيرافي: «وكان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علَماً عند النحويين، فكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب، فيُعلَم أنه كتاب سيبويه»، وقال الجرمي: «أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه»، وقال صاعد الأندلسي: «لا أعرف كتاباً أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له».

كان المستشرقون أول من اهتم بطبعه وتحقيق نصه، حيث ظهرت أول طبعة منه في باريس من طرف المستشرق ديرنبورغ عام 1881م، ثم توالت طباعته في الهند ومصر، مع بعض التصحيح والتحسين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/wjd37ztr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"