الإمارات والصين وكوريا.. شراكة للمستقبل

00:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

في عالم مزدحم بالأحداث وصاخب بالضجيج ومضطرب الرؤى، تبحث الدول الحالمة بمستقبل أفضل لمواطنيها عمن يشاركها الحلم لتوطيد علاقاتها به وبناء شراكات معه تثمر عن تنمية ورخاءً لشعوبها. وأصبح معروفاً عند القاصي والداني أن الإمارات دولة تتطلع دائماً للمستقبل، تخطط له وتعمل من أجله وتؤسس ما يضمن لها المزيد من التفرد والتميز، ولذا فإنها تتوجه لتدعيم علاقاتها بمن يشاركها السير نحو المستقبل.

زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الأسبوع الماضي إلى كل من كوريا الجنوبية وجمهورية الصين الشعبية تأتي في إطار مساعي سموه الدائمة لتحقيق الشراكة مع دول تحلم مثل الإمارات بمستقبل أفضل للأجيال المقبلة، فالدول الثلاث حققت من النجاح في عدة عقود ما جعلها محط أنظار العالم. فالصين أصبحت اليوم معجزة العالم الاقتصادية، تحقق تقدماً مبهراً في جميع المجالات بسرعة صاروخية، واكتفاء ذاتياً رغم عدد سكانها الذي يفوق مليار و400 مليون نسمة، واستثمارات متجولة في قارات الدنيا، وثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، ولاعباً رئيسياً في السياسة الدولية. العالم كله يسعى لنيل رضاها والجامعات الكبرى تدرس لطلابها تجربتها، وهي تسعى إلى من يشبهها، تشاركه وتستثمر معه ويتبادلان الخبرات والرؤى..

كوريا الجنوبية معجزة اقتصادية أخرى، قصة نجاح شهدها العالم خلال القرن الماضي، خرجت من الحرب الكورية في عام 1953 مدمرة متهالكة لتبني مجدها في عدة عقود وتصبح محط إعجاب الشرق والغرب، واحدة من الاقتصادات الأكثر تطوراً في العالم، صناعات مدموغة بعلامات الجودة..

أما الإمارات فهي الدولة الفتية صاحبة التجربة المبهرة عالمياً، قصة نجاح ملهمة وحلم دائم لشباب العالم والمقر المفضل لكبار العالم والباحثين عن الأمن والأمان والاستقرار، نجاحاتها الاقتصادية شغلت الدنيا، وإنجازاتها العلمية في مجالات عدة وأهمها مجال الفضاء أبهرت الجميع، ومواقفها السياسية نالت التقدير في كل المحافل الدولية، وعطاؤها الإنساني وصل إلى كل محتاج أو منكوب حول العالم.

ثلاث قصص نجاح لثلاث دول تعتز بالماضي وتنجز في الحاضر وتبني للمستقبل. زيارة صاحب السمو لكوريا الجنوبية لها أهميتها الخاصة على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، أما زيارة سموه إلى الصين فلها أهميتها على مستوى العلاقات الثنائية والعلاقات الصينية العربية. زيارة كوريا هي زيارة دولة، احتفت بها كوريا الرسمية والشعبية على حد سواء، ترحيب يليق بصانع نهضة، وداعية تسامح ورجل سلام ورمز عطاء إنساني، العاصمة سيول تزينت بأعلام الإمارات وأضاءت معالمها بألوان علم الدولة، زيارة حققت الهدف، ببحث سبل تطوير الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين الإمارات وكوريا، حسب ما أكد صاحب السمو رئيس الدولة مضيفاً: «تعزيز التعاون الاقتصادي بما يتماشى مع رؤانا المشتركة بشأن مستقبل التنمية واستدامتها في بلدينا».

العلاقات بين الإمارات وكوريا تمتد إلى 40 عاماً، والتعاون الاقتصادي في نمو وتطور، والشراكة تحققت منذ توقيع اتفاقية بناء مفاعل براكة النووي، واللقاءات مستمرة بين زعيمي البلدين وهذه القمة هي الثانية خلال 18 شهراً، بعد القمة التي عقدت بينهما خلال زيارة الرئيس الكوري في يناير من العام الماضي. وبعد الاتفاق على ترسيخ وتطوير الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين من خلال تعزيز التعاون الاستراتيجي في عدة مجالات، فلا شك إن المستقبل سيشهد المزيد من اللقاءات لأجل مستقبل أفضل للشعبين الصديقين.

الاستقبال في الصين كان حافلاً أيضاً بما يتناسب وتاريخ العلاقة التي بدأت 1984 ويتناسب أيضاً مع مكانة صاحب السمو رئيس الدولة، ودولة الإمارات، وخلال الزيارة تم بحث مسارات التعاون والعمل المشترك في المجالات الاقتصادية والتنموية والثقافية وغيرها مع الرئيس الصيني، وتوقيع عديد من اتفاقيات التعاون في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع البلدين، وقد حملت زيارة الصين بعداً عربياً، حيث شارك رئيس الدولة في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي-الصيني برئاسة الرئيس شي جين بينغ وبحضور عدد من القادة العرب منهم ملك البحرين والرئيسين المصري والتونسي.

التوجّه العربي إلى الصين ليست أهدافه اقتصادية فقط، ولكن الهدف هو السعي لتحقيق شراكة كاملة، خصوصاً أن الرؤى ووجهات النظر العربية الصينية متشابهة، وخلال منتدى التعاون العربي الصيني لم تغب الحرب على غزة، بل كانت حاضرة بقوة، فالزعماء العرب والزعيم الصيني لديهم نفس التوجهات في ضرورة وقف إطلاق النار، وكما أكد صاحب السمو رئيس الدولة، فإن هناك أهمية للعمل العربي والصيني المشترك بجانب الجهود الدولية من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار وتوفير الحماية لسكان غزة وتأمين تدفق المساعدات وإيجاد أفق للسلام العادل والشامل وحل الدولتين.

العلاقات العربية الصينية في تطور مستمر، والصين حريصة على الشراكة مع العالم العربي، ومنتدى التعاون العربي الصيني الذي انطلق في القاهرة في العام 2004 هو خير تعبير عن ذلك، وقد كان من نتائجه ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار في عام 2004 إلى 400 مليار دولار عام 2023. التعاون العربي الصيني متعدد الوجوه وأحد أهم هذه الوجوه منتدى التعاون، وآخرها كان دعم الصين انضمام الإمارات ومصر والسعودية إلى مجموعة «بريكس».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/547ckzb3

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"