عادي

نصف قرن من التراكم الأدبي

23:35 مساء
قراءة 7 دقائق
1
نصف قرن من التراكم الأدبي

الشارقة: علاء الدين محمود

تعمل جميع المؤلفات النقدية والأدبية والدراسات الأكاديمية، التي تبحث في تحولات السرد الإماراتي منذ النصوص المؤسسة وحتى العصر الراهن، في مسألة تطوره بكافة أنماطه، في الموضوعات والمضامين والقضايا والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وأيضا في الأدوات والأساليب والتقنيات، وبرز العديد من الكتّاب والكاتبات منذ جيل الرواد والتأسيس إلى الوقت الراهن، حيث إن فن السرد مارس إغراءه الذي لا فكاك منه على الكثير من أبناء وبنات الإمارات من مختلف الأجيال، فكان أن بدأت معهم مسيرة حافلة بتاريخ الأدب في الدولة.

لا شك أن فن الرواية أو القصة ارتبط بشكل عميق بالمجتمع فعبر عنه عنه والتقط تفاصيله، وأثر التحولات فيه، وهذا الأمر، وفق علاقة جدلية، أثر في الكتّاب أنفسهم من حيث الأساليب والانفتاح على كافة المدارس والتيارات الأدبية القديمة، والتي لا تزال تحتفظ براهنيّتها، وكذلك الاتجاهات الجديدة المعاصرة، التي هي نفسها نتاج التحولات شهدها العالم اليوم والتي تركت أثراً بارزاً في الأعمال الأدبية، ونجد أن جميع هذه التيارات مضمنة وموظفة في التجربة السردية الإماراتية، فلئن كان فن السرد بالدولة في بداياته قد عبّر بصورة أكبر عن البيئة والمجتمع المحلي، فقد كانت أكبر محطاته هو التحولات والمتغيرات الناتجة عن التطور والازدهار الذي شهدته الدولة، وانتقالها من مرحلة إلى أخرى، ووفود العديد من الجنسيات العربية والأجنبية إلى البلاد، الأمر الذي أنتج واقعاً جديداً، من حيث تعدد الثقافات كان لابد أن تستوعبه التجارب الأدبية، وكذلك فإنه قد انفتح خلال مسيرته على الأفق الإنساني، وعلى جميع القضايا والحساسيات والمفاهيم الجديدة، ومارس فعل إسقاطها على الواقع المحلي، فكان أن تناول قضايا مثل الاغتراب بمفهومه الفلسفي والفكري، والهجرة والتحولات الإنسانية العميقة بفعل العولمة وروح العصر، وكذلك اهتم بقضايا مثل النسوية وحقوق المرأة.

  • آفاق ورؤى

لعل من أهم المؤلفات النقدية التي ترصد تلك المتغيرات في السرد الإماراتي، كتاب «السرد الإماراتي... آفاق ورؤى»، للدكتورة زينب عيسى الياسي، الصادر في طبعته الأولى عام 2019، من منشورات دائرة الثقافة في الشارقة، يعتبر من المؤلفات المهمة التي سعت لتغطية الإصدار الإبداعي السردي وتناولته نقدياً، ولعل قيمة البذل النقدي والفكري الكبير لزينب الياسي في هذا الكتاب، يأتي في كونه ليس مجرد رصد لتلك المتغيرات السردية، بل كذلك يبحث في تقديم رؤى وآفاق جديدة، خاصة بعد الانتشار الكبير لعدد المؤلفين من الجنسين، والتحولات الواسعة في المفاهيم التي تحكم السرد، و تؤكد الكاتبة على أن الرواية الإماراتية قد تجاوزت مرحلة النشأة والبداية التاريخية من خلال تراكم أدبي تجاوز النصف قرن، ما جعل الدولة راسخة في هذا الفن، غير أن ذلك الرسوخ والمكانة البارزة لفن الرواية في الإمارات، يطرح هو الآخر أسئلة متعلقة بالسرد في الدولة، من حيث الشكل والمضمون، ومقومات وعوامل النهوض والارتقاء بهذا الفن، وهي المهمة التي تتصدى لها الياسي من خلال الرصد للتحولات والتأمل العميق في واقع الرواية والقصة الإماراتيتين.

زينب الياسي

وينفتح الكتاب على عدد من القضايا الملحة مثل الرواية الإماراتية المعاصرة وأفقها، من حيث المنتج والمضمون والتشكيل الفني، وكذلك السرد الإماراتي بين التجريب والمراكمة، والتجريب الأنثوي، والمراكمة بين الفردي والجمعي، كما يشير الكتاب إلى مسألة جديرة بالتأمل، وهي أن الإبداع الأدبي في الدولة، قد شهد تطورات عديدة بعد الاتحاد، وظهور معالم الدولة المتماسكة، وذلك الأمر لا يعني أن الأدب في هذه الرقعة الجغرافية لم يكن موجوداً، لكن الاستقرار في ظل الدولة، أسهم في تشكيل ملامح إبداع وأدب يحمل خصوصية اجتماعية وثقافية، وكذلك خصوصية مكانية وزمانية تحمل سمات هذه الأرض، وترسم أبعاد هذه الجغرافيا التي عاش إنسانها قرب شواطئها وصحاريها وجبالها، كما تشكل أدب يحمل خصوصية اجتماعية وفكرية لإنسان الإمارات.

  • منابع

ويتتبع الكتاب المصادر والمنابع الأساسية التي شكلت وكونت بدايات السرد الإماراتي الذي يعد من الإبداعات الغنية والثرية في الدولة، ومن الفنون الأساسية، التي أغنت الساحة الثقافية بخيوط إبداعية مهمة، عبّرت عن الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية للمجتمع الإماراتي، ورسمت ملمحاً مهماً للإنسان وحياته بكافة أبعادها الاجتماعية والزمانية والمكانية، ثم تتناول الكاتبة بدقة وبشكل مباشر الاتجاهات الحديثة في السرد الإماراتي، خاصة في ما يتعلق بالتجريب، إذ يشير الكتاب إلى أن انطلاقة السرد الإماراتي على اختلاف أنواعه «القصة، القصة القصيرة، القصة القصيرة جداً، الرواية» كان من خلال مبدعين مختلفين، وأسماء أدبية متنوعة من حيث ظهورها وخفوتها، فلم يستحوذ على الساحة الأدبية أسماء معينة، فقد كان بينهم كتّاب مارسوا التجريب العابر، وبينهم من امتلك أدواته الإبداعية وتمكن منها، ويستعرض الكتاب أثر التجريب منذ النصوص الأولى على مستويي الرواية والقصة، ومن ثم ما أتبع ذلك من تطور كان له أثره في راهن السرد الإماراتي.

  • أدوات

ومن المؤلفات النقدية التي وجدت صدى كبيراً لدى الكتّاب والساحة الثقافية الأدبية الإماراتية، ذلك الذي جاء بعنوان: «أيقونة السرد: دراسات نقدية في الرواية الإماراتية الحديثة»، للكاتب والناقد الدكتور ذياب فهد الطائي، والذي يبحث بصورة أساسية في التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الدولة، حيث يتناول الطائي الرواية الإماراتية منذ نشأتها وتطورها منذ بداية السبعينيات، بطريقة تطبيقية يتتبع من خلالها خمس روايات إماراتية، وهي: «أميرة حي الجبل» 2014، لعلي أحمد الحميري، و«امرأة استثنائية» 2014، لعلي أبو الريش، و«لعلهُ أنت» 2010، لباسمة يونس، و«بين حين وآخر... حدّثتنا ميرة» 2013، للميس فارس المرزوقي، و«ريحانة» 2003، لميسون القاسمي، كما يشتمل الكتاب على استعراض لخمس دراسات نقدية عن السرد الإماراتي، حيث يتابع المؤلف ويرصد أشكال التطور التي حدثت في الأدوات الفنية التي استعملها كُتّاب الرواية بعد عام 1971، وهو العام الذي صدرت فيه رواية «شاهندة»، النص الروائي الأول في الإمارات، للكاتب راشد عبد الله النعيمي، ويفحص المؤلف اللغة الروائية، وأساليب السرد، والبنى الزمكانية، ونمّو الشخصيات، والتحولات الاجتماعية في الروايات الخمس، ومعظم هذه الأعمال السردية المهمة هي: بثيمة الحب والجوانب العاطفية.

ذياب فهد الطائي
  • الهوية

ويتعمق الكتاب في قضية الجوانب والأساليب الفنية وتطورها لدى المؤلفين، وكذلك كيفية التناول والاتجاهات الحديثة وأثرها في هذه الأعمال السردية التي تناولها الكتاب من حيث بناء الشخوص، والخط الزمني، والنص المفتوح والمغلق على نحو رواية «أميرة حي الجبل»، وكذلك رواية «امرأة استثنائية»، كنصوص تقف شاهدة على تطور السرد الإماراتي، غير أن الكتاب يبرز كذلك مصادر الضعف في الأعمال التي أشار إليها، من خلال منهج نقدي، ويتعمق في مواضيع تناولها السرد الإماراتي الحديث بكثافة مثل سؤال الهوية والآخر.

ويتناول الكتاب كذلك الكتابات النسوية، إذ يشير إلى أن عدد الروائيات الإماراتيات قد بلغ 23 روائية، معتبراً أن واحداً من النصوص التأسيسية التي تتجلى فيها الاتجاهات الحديثة في السرد هو رواية «ملائكة وشياطين» عام 1990، لباسمة يونس، وكذلك رواية «آخر نساء لنجة»، 2013، للولوة المنصوري، ويعرج الكتاب على أثر الأدب الغربي في بعض الأعمال التي أشار إليها، وتطور اللغة والبناء وأسلوب السرد، والاعتناء بالتفاصيل الصغيرة، وبنية السرد وحضور المؤلف، و الراوي والمونولوغ الداخلي، ويغوص الكتاب عميقاً في كيف أن بعض هذه الأعمال استطاعت أن تعبر عن واقع العصر الحديث من حيث التشظي النفسي والوجداني للفرد في الوقت الراهن، ويشير المؤلف في الكتاب، إلى أن الإماراتية قد تمكنت من أن تعكس تأكيداً بحضورها في فضاء الإبداع الأدبي، فهي تلعب دوراً مهماً في تصوير عملية التحول الاجتماعي التي عاشها مجتمع الإمارات، بعد ظهور النفط، وتأسيس دولة الاتحاد، وما أعقب ذلك من تطور تقني، وانتشار وسائل الإعلام المختلفة.

  • تنقيب

أما من أكثر الكتب التي مارست فعل التنقيب عن الاتجاهات والرؤى التي حكمت مسار تطور السرد الإماراتي، فهو كتاب «سيسيولوجيا النص السردي... دراسات نقدية وتحليلية في السرد الإماراتي»، للكاتب عزت عمر، الصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة في طبعته الأولى عام 2010، وهو من المؤلفات التي نجحت في الإحاطة بالسرد الإماراتي من منطلقات سوسيولوجية، إذ يربط المؤلف الأعمال الكتابية السردية بالواقع، والمنطلقات، والظواهر الاجتماعية، عبر رصد المجتمع ومتغيراته، وكذلك البيئة ومفرداتها، وأثرها في الأدب، والسرد تحديداً، وهو يستعرض مجموعة من القضايا في التحولات السردية وتطور الرواية والقصة منذ رواية شاهندة، للكاتب راشد عبد الله النعيمي، نحو المفاهيم الجديدة في السرد الإماراتي وبصورة خاصة السرد النسائي ومعانيه، ويستعرض عدداً من الكتابات منذ جيل الرواد، ويتناول كيفية تعامل الجيل المؤسس مع مفهوم الذكورة، وكذلك الجيل الجديد وسعيه إلى «تفتيت الصورة القديمة»، متناولاً عدداً من النماذج والأمثلة مثل: فاطمة المزروعي، وعائشة الزعابي، وباسمة محمد يونس، والعديد من الكتاب الذين ساروا في رسم اتجاهات وتيارات جديدة للرواية الإماراتية، ويغوص الكتاب عميقاً في العوامل التي شكلت هذا النوع من السرد في مجالات الرواية والقصة، ومن ضمنها المتغيرات، الاجتماعية والعصرية، مركزاً على قضايا «الوعي الجديد وجدل الماضي والراهن»، و«الرواية والواقع الجديد»، و«النزعة الرومانسية هرباً من تعقيدات الحياة الجديدة».

  • سرديات نسوية

من أبرز المؤلفات التي عكست حجم التطور في السرد الإماراتي، في تماساته مع الحساسيات والمفاهيم الحديثة، كتاب «قضايا المرأة في الرواية الإماراتية»، للدكتورة هند المشموم، ويتناول قضايا المرأة في الأدب الإماراتي وخاصة في الرواية، ويغوص في المؤلفات السردية التي تناولت شواغل النساء في الإمارات، والكتاب في الأصل رسالة جامعية تتميز بالدقة والتحري والشمول، ويتجول في الواقع الثقافي والاجتماعي الإماراتي عاكسا الكثير من القضايا المهمة، ويعرض الأعمال السردية بالتحليل والتفسير مستجليا القضايا التي تخص المرأة الإماراتية، ومنها روايات كتبت في أوقات متفاوتة: «تثاؤب الأنامل» لرحاب الكيلاني، رواية «عيناك يا حمدة» لآمنة المنصوري، «طوي بخيتة» لمريم الغفلي، «مزون» لمحمد عبيد غباش، «رائحة الزنجبيل» لصالحة غابش، «عندما تطمح المرأة ويغضب الرجل» لسلطان الزعابي، وتعكس الأعمال التطور الكبير في الأدب النسوي الإماراتي، من حيث الأدوات والتناول والمفاهيم الحديثة.

وعبر كل تلك الأعمال السردية التي استعرضتها تتوقف الكاتبة عند قضايا عديدة ومتنوعة ومتشعبة للمرأة الإماراتية، لكن القاسم المشترك، والقضية المركزية هي مسألة البحث عن المساواة بين الجنسين المرأة والرجل، في كل المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وبصورة خاصة العمل كحق أساسي، ولعل الكاتبة قد بيّنت أن تلك الروايات التي تصدت لها قد تناولت بالفعل قضايا النساء منذ منتصف القرن الماضي إلى اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryavtvh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"