7 محاور ساخنة أمام «جاكسون هول»

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد العريان *

هل تذكرون الأزمة المالية الآسيوية، والصدمة الناجمة عن انفجار صندوق التحوط «إل تي سي إم»، والتخلف عن سداد الديون الروسية، وانهيار بنك «ليمان براذرز»؟ يبدو أن هذه الأحداث ستجتمع في ذروتها خلال الصيف.

مع ذلك، وفي ظل قلة الحرائق المالية التي يتعين إخمادها، وجدت البنوك المركزية أن هذا الموسم هو الوقت المناسب لتقييم موقف سياساتها ومعرفة إلى ماذا ستُفضي. في وقت يبدو فيه جدول اجتماعات السياسة غير مزدحم، وكثير من المشاركين في السوق يستمتعون بإجازاتهم السنوية.

تترقب أسواق المال نهاية أغسطس/آب المقبل انطلاق فعاليات ندوة جاكسون هول في وايومنغ، التي ينظمها بنك الاحتياطي الفيدرالي، وتجمع محافظي البنوك المركزية من جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى اقتصاديين وأكاديميين ووسائل إعلام متخصصة. ويُعد هذا الحدث السنوي ملتقى مهماً يهدف لتقييم فاعلية سياسة البنك المركزي واستكشاف الأفكار، والإعلان عن اتجاهات سياسية جديدة.

من جهتي، آمل بشدة في اجتماع هذا الصيف، وإن لم يكن من ضمن توقعاتي الراسخة للأسف، أن يتناول فريق الاحتياطي الفيدرالي، من اقتصاديين حاصلين على درجة الدكتوراه، وغيرهم من خبراء السياسة، مجموعة من القضايا التي تشكل أهمية كبيرة لرفاه الاقتصاد الأمريكي والاستقرار المالي العالمي؛ وأن نحصل على تلميح لاتجاه ومحتوى تفكيرهم عندما يلقي رئيس البنك المركزي جيروم باول خطابه الرئيسي المرتقب للغاية. فما هي هذه القضايا والاستفسارات التي أرغب برؤيتها على طاولة اجتماعات جاكسون هول؟

أولاً، لماذا أخطأت توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى هذا الحد، سواء فيما يتعلق بالتضخم أو البطالة، ما يسمى بالتفويض المزدوج، في السنوات الأخيرة؟ وإلى أي مدى أسهم هذا الأمر بالاعتماد المفرط ولفترة أطول على البيانات في صياغة سياسة البنك المركزي؟ وهناك سؤال آخر ذو صلة، ما هي الآثار المترتبة على التحولات الأخيرة غير المعتادة في إشارات السياسة النقدية؟

ثانياً، بما أن التغييرات البنيوية وأنشطة السوق طويلة الأجل التي تدخل في كيفية عمل الاقتصاد الأمريكي والعالمي أكثر أهمية لتصميم السياسات من البيانات قصيرة الأجل «الصاخبة»، فهل حان الوقت الآن للجمع بين الاعتماد على البيانات وبين مزيد من التفكير الاستراتيجي الاستشرافي؟

ثالثاً، نظراً لأن المراجعات التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2020 على إطار السياسة النقدية كانت قديمة عند نشرها تقريباً، وربما ضارة، ألا توجد حاجة ملحة لتسريع مراجعتها؟

رابعاً، هل لدى الفيدرالي الثقة الكافية والتواضع لمواجهة قضيتين رئيسيتين ومترابطتين من الناحية التحليلية، 1- هدف التضخم المناسب، 2- مستوى أسعار الفائدة المحايدة في ظروف نقدية لا مشددة ولا فضفاضة للغاية؟ وتأثير كل منهما على مساهمة السياسة في الرفاه الاقتصادي أو انتقاصها منه؟

خامساً، ألم يحن الوقت الآن لكي يستشعر المركزي الأمريكي بشكل أكبر خطر إلحاق الضرر غير المبرر بالاقتصاد الحقيقي والعمالة، بدلاً من خطر إعادة إشعال نيران التضخم؟

سادساً، مع تعثره المتواصل بسبب التفكير الجماعي المغلق والافتقار إلى التنوع المعرفي، أليس من الأجدى للفيدرالي التفكير في اقتباس بعض ممارسات بنك إنجلترا، وتعيين خبراء من الخارج في لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، أعلى لجنة لصنع السياسات في البنك المركزي؟

سابعاً، ألم يحن الوقت بعد للاعتراف بأن النهج الحالي في التواصل، وبصورة خاصة مركزية ملخص التوقعات الاقتصادية، يغذي ارتباك السوق ويعزز تقلبات أسعار الفائدة، بدلاً من توفير الشفافية البنّاءة للأسواق حول اتجاه وأسباب الطريق الذي تسلكه السياسة والاقتصاد؟

ثامناً، وأخيراً، متى يصبح المركزي أكثر انفتاحاً حول المخاطر التي يفرضها المنظور المالي الأمريكي الحالي على مكانة الدولار العالمية، ومصداقية سندات الحكومة، بوصفها «الأصول الآمنة» الأكثر أهمية في الأسواق العالمية، والوسيط المهيمن والموثوق به لثروات ومدخرات البلدان الأخرى؟

في الواقع، ليس من السهل التعامل مع أي من هذه القضايا غير المريحة تماماً بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي لم يتعاف بعد بشكل كامل من أخطائه السياسية. ومع ذلك، فهي تشكل عنصراً أساسياً في فاعلية السياسة النقدية والاستقلال السياسي لأقوى بنك مركزي في العالم.

أدرك تماماً مغريات التهرب المستمر من التعاطي مع هذه المحاور الصعبة، ولكن من المؤسف أن هذا التجاهل لن يؤدي إلا إلى جعلها أكثر إلحاحاً وصعوبة في حلها، الأمر الذي يفرض مخاطر أعظم على رفاه الاقتصاد الأمريكي والاستقرار المالي العالمي.

* رئيس كلية «كوينز» في جامعة كامبريدج ومستشار لشركتي أليانز وجراميرسي (فاينانشال تايمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3x89mwtv

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"