الموت البطيء للنظام العربي القومي

04:56 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يعد أحدنا يطيق هذا العجز المفجع للغالبية الساحقة من الأنظمة السياسية العربية . دعنا نأخذ مثالين لإظهار مقدار التعوّد على قبول الهوان والذلّة الذي أصيب به النظام السياسي العربي القومي، ولتبيان التخبّط الذي يتميز به الكثير من القرارات والمواقف العربية .

* أولاً: تقوم المافيا الأمنية الصهيونية باغتصاب فاضح وانتهاك مقصود فجّ للسيادة الوطنية الإماراتية فوق أرض مدينة دبي . وتقف سلطات الأمن في دبي الحريصة على كبريائها الوطني والعروبي موقف المدافع الشجاع عن الكرامة وعزّة الاستقلال لتجد نفسها وحيدة في هذا الصراع . ولم تحصل هذه المدينة الباسلة من قادة أمتها إلا على بيانات الشجب والاحتجاجات المثيرة للشفقة .

لم تقم دولة عربية باستدعاء سفير أو بإغلاق مكتب أو بإنهاء جميع الاتصالات مع هذا العدو الوقح المستهتر، وإنما حدث العكس .

* ثانياً: تقوم الأصولية البربرية الصهيونية بالتوسع في مستوطنات اغتصاب الأرض الفلسطينية، وتمارس قتل الأبطال المقاومين والأطفال والنساء العزل يومياً، ويمتد اغتصابها للأماكن المقدسة الإسلامية، ويصرّح وزير خارجيتها يومياً بأبشع التهديدات والتحقير لأمة العرب، وتتراجع أمريكا عن كل وعود رئيسها الجديد وعن كل ما جاء في خطاباته الإعلامية منذ سنة واحدة، ويهزم اللوبي الصهيوني في واشنطن البيت الأبيض ويخترق كل مكونات الكونجرس الأمريكي . . ويحدث كل ذلك في شكل حلقات مأساوية سوداء، ومع ذلك يجتمع وزراء الخارجية العرب، ويقررون الطلب من السلطة الفلسطينية الضعيفة أن تعود لطاولة المفاوضات غير المباشرة مع مجرمي الحرب وسافكي الدماء الفلسطينية .

وكالضحك على الذقون يحمل القرار الغريب بعض الشكوك وبعض التحفظات، ويضاف ذلك القرار المؤسف إلى قائمة قرارات كثيرة سابقة ادعت أنها ستكون آخر فرصة ستعطى للكيان الصهيوني، ومثلما مرت ثماني سنوات على الأخذ بمقترح المملكة العربية السعودية العتيد بشأن الصراع العربي الصهيوني وما صاحبه من وعود وتهديدات جوفاء، فستمر الشهور الأربعة الجديدة، وستجدد، وسيجد وزراء الخارجية العرب منفذاً لتبرير الفشل وتقديم طريق عاجز آخر في صحراء الجدب واليباب السياسية العربية .

وهكذا نحن أمام وعود جديدة وصفها أحدهم بأننا نطلق الوعود حسب آمالنا، ولكننا نفعل لتنفيذها حسب مخاوفنا . وهل هناك خوف أكبر وأكثر رسوخاً وتشكلاً بألف قناع وقناع من خوف الغالبية الساحقة من الأنظمة العربية من العين الحمراء الأمريكية واليد الباطشة الصهيونية؟

لقد تركت سلطات الأمن البطلة في دبي تصارع وحدها فكان طعناً لمشاعر الأخوة والعروبة والانتماء الإسلامي، وطلب من السلطة المنهكة المنقسمة على نفسها في فلسطين أن تواجه اللؤم الصهيوني والأكاذيب الأمريكية وحدها، فهل الخوف يفسر فقط هذه القرارات؟ أم أن الأنظمة السياسية القطرية العربية قد اتخذت قرارها النهائي بوضع المخدّة على وجه النظام السياسي القومي العربي والأخوة الإسلامية ليموتا خنقاً بصورة بطيئة تدريجية من خلال قرارات ومواقف يعجز العقل عن فهمها وتبريرها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"