قمة استرضاء الشعوب

05:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

خلافاً للتوقعات انعقدت القمة العربية في بغداد، وسجل انعقادها مكسباً لأطراف عدة في طليعتها حكومة البلد المضيف العراق، التي أمّنت اجتماع القمة يوم الخميس 29 مارس/ آذار، وقبله اجتماع وزاء المالية والاقتصاد والخارجية العرب . ولعل لسان حال العراقيين فيما كانوا يشهدون استضافة هذه المناسبات المهمة كان يردد: ليت الأيام كلها أيام قمم عربية، حتى تقوم الجهات المسؤولة ببسط الأمن في الديار على أحسن وجه .

الطرف الثاني المستفيد من النجاح في التئام القمة هو الأمم المتحدة، سواء في جمعيتها العامة أو في مجلس أمنها، بعد أن باتت خطة المبعوث الدولي الأمين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي أنان بخصوص الأزمة السورية، معقد إجماع دولي يضم الصين وروسيا الى بقية دول العالم .

أما الطرف الثالث فهو الجامعة العربية ممثلة على الخصوص بأمانتها العامة، فقد نجحت تنظيمياً في وضع ترتيبات القمة، وهو ما أخفقت به الأمانة العامة السابقة تحت ضغط الظروف المتوترة حيث لم تعقد القمة في عام 2011 . انعقدت هذه القمة وهي تحمل الرقم 23 في ظروف لم يُلقِ بعد فيه التسونامي الشعبي العربي بكامل حمولته، وهو ما أدركه المجتمعون خير إدراك، وعبّروا عن ذلك بتحية الشعوب ومخاطبتها، فقد أشاد إعلان بغداد ب التطورات والتغييرات السياسية التي جرت في المنطقة العربية، وبالخطوات والتوجهات الديمقراطية الكبرى التي رفعت مكانة الشعوب العربية، وعززت من فرص بناء الدول على أسس احترام القانون وتحقيق التكافل والعدالة الاجتماعية، وحيّا الإعلان شعوب الأمة العربية التي قادت هذه الخطوات . في موضع آخر حيّا الإعلان تطلعات الشعوب العربية التواقة لإقامة نظام عربي يكون فضاءً لممارسة مبادئ الشورى والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ويحقق أمانيها في التنمية الشاملة والمستدامة .

كان يمكن اعتبار هذه الخطوة من طرف القادة العرب بأنها غير مسبوقة وراديكالية، كونها تُحيّي وتُثمّن تغييرات سياسية حققتها بعض الشعوب بخروج شرائح واسعة منها الى الشارع، وليس بتوجيه المناشدات . لكن مثل هذه البيانات والإعلانات ليست مُلزمة في شيء، خاصة أنها لا تقترن بالالتزام باعتماد سياسات فعلية، تتلاقى مع التطلعات المعلنة للشعوب العربية . لقد بادرت دول عربية عدة الى ملاقاة تطلعات شعوبها في نقطة ما على طريق طويل، لكن هذا التوجه لا يشكل بعد السمة الغالبة في العالم العربي . وهكذا فإن ما ورد في الإعلان يجمع بين الإقرار بالوقائع والاعتراف بالتحولات، وبين السعي لاسترضاء الشعوب في هذه المرحلة . وفي المحصلة فقد تغيرت الخطابات السياسية وربما المعادلات، فقد باتت أنظمة تسترضي شعوبها ولو لفظياً لضمان استمرار هذه الأنظمة في مناخٍ عام من القبول بها، بينما كانت الشعوب في السابق تسترضي حكوماتها وتتوسلها أحياناً، من أجل التمتع بالقليل من الحقوق والمطالب المشروعة . وسوف يكون على الشعوب وبالذات قواها الحية أن تحتكم الى مثل خطاب إعلان بغداد، من أجل وضع ارتسامات هذا الإعلان موضع التطبيق هنا وهناك، ما دام القادة هم أصحاب هذا الإعلان وهم من بادروا الى وضعه .

بعيداً عن التعميم فإن مقاربة قمة بغداد للأزمة السورية تصلح ان تكون سابقة يُعتد بها، من اجل عدم تكرارها في أي مكان وبأية صورة من الصور . رفضت القمة التدخل الأجنبي والمقصود به التدخل العسكري، إذ أن الانشغال السياسي بوضع متوتر في أي بلد من البلدان، يمليه الانضواء في منظمة الأمم المتحدة وميثاقها وبالذات بما يتعلق بحقوق الإنسان والشعوب والدول، والالتزام بأحكام القانون الدولي ومراعاة سلامة الإقليم، كل ذلك لا يعد تدخلاً على اي وجه من الوجوه، ودعت للحوار السياسي بين الفرقاء وصولاً إلى حل سياسي، واعترفت بحق السوريين وخاصة في الظروف التي يعيشون في ظلها منذ عام، بتشكيل قوى معارضة داخل صفوفهم .

كان واضحاً مدى هيمنة الأزمة السورية على أجواء القمة، وهو أمر متوقع ذلك أن هذه الأزمة ما انفكت هي الأكثر توتراً وحساسية في العالم العربي . ولعل السعي الى معالجة هذه الأزمة كان دافعاً رئيساً لانعقاد القمة، بعدما أبدت أطراف عدة فتوراً تجاه عقدها . وفي التفاصيل فقد تم تبني خطة عنان بالإجماع، وسبق للحكومة السورية أن أعربت عن موافقتها على الخطة بعدما وصفتها من قبل بأنها لا ورقة كما عبر عن ذلك الناطق بلسان الخارجية السورية جهاد مقدسي، في محاولة للتقليل من أهمية المهمة والخطة . أما المعارضة السورية ممثلة بالمجلس الوطني فقد أعربت بدورها عن موافقتها على الخطة . بيد أن الأمور منوطة بالموافقة الفعلية غير المشروطة، وبالسلوك العملي وبالذات بمغادرة الخيارات الصفرية، وبالكف عن استهداف المدنيين والتجمعات السكانية وحرق المنازل والمحال التجارية وتدمير الممتلكات . فالأزمة في الأساس هي أزمة داخلية سياسية، فكيف يستقيم أن تشن حرب منذ البداية لمعالجة هذه الأزمة؟ وكيف لمن يشعل حريقاً أن لا يتوقع انشغالاً بما يحدث في البيت السوري، ألا يشكل امتداد ألسنة النيران الى الخارج مصدر قلق؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"